الرئسيةحول العالم

“عصابة إجرامية دينية” في هيئة دولة.. هكذا أعاد طوفان الأقصى وحرب غزة إسرائيل لجذورها الأولى

ذكر مقال مطول ل”عربي بوست”، أنه، ليس إرهاب الاحتلال الإسرائيلي اليوم انحرافاً طارئاً عن المسار، بل هو تتويج طبيعي لنهج بدأ قبل نشوء الكيان ذاته. ففي صميم ميلاد هذه” الدولة” أرست العصابات الصهيونية في زمن الانتداب البريطاني قواعد العنف كأداة لبناء المشروع، ورسّخت منطق السيطرة بالإرهاب كسلوك ممنهج. وعندما أعلنت الدولة، لم تنفصل هذه الأعراف المتطرفة عن بنيتها، بل اندمجت داخل مؤسساتها الأمنية والسياسية والمجتمعية.

واعتبرت “عربي بوست”، أنه ومع مرور الزمن، ازداد هذا الكيان تطرفاً، بعدما تزاوجت القومية الصهيونية مع سرديات دينية خلقت عقيدة توسعية تقوم على محو الفلسطينيين، على أنه تحقيق لوعد إلهي تارة، أو دفاع عن البقاء تارة أخرى. وهكذا، بدلاً من أن يتحول الاحتلال الإسرائيلي إلى دولة عادية تسعى للاندماج في محيطها وفي النظام الدولي، راح يجره جوهر نشأته للوراء كدولة دينية–عسكرية، تُخضع القانون والمؤسسات لرؤية أيديولوجية ضيقة دينية شديدة التطرف.

وأكد المقال ذاته، أنه و منذ السابع من أكتوبر، كشفت حرب الإبادة في غزة عما كان العالم يحاول أن يتجاهله لعقود، الوجه العاري لهذا المشروع. فعنف الاحتلال اليوم، فاق في وحشيته ما لم يره العالم الحديث منذ الحرب العالمية الثانية.

وأشارت، أن التحريض الديني العلني من قادة الاحتلال، يوضح اليوم، أكثر من أي وقت مضى، حجم السرطان التاريخي والعميق لبنية العقل السياسي والمجتمعي للاحتلال.، وأنه من إرهاب العصابات الصهيونية إلى إرهاب الدولة الاستعمارية، ومن علمانية الصهيونية إلى صهيونية دينية موغلة في العنصرية، تستمدّ عنصريتها المثقلة من تعاليمها الدينية، ونصوص توراتها التي تجعل معتنقيها فوق مستوى البشر، ما يجعلهم يرون إبادة الفلسطينيين تحقيقاً لوعد إلهي، لا جريمة. فلأكثر من 500 يوم مازال التطهير العرقي مستمراً في غزة والضفة الغربية، في بث مباشر وعلى مرأى ومسمع من العالم، دون أي مساءلة.

أكد التقرير، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي، موقعًا محوريًا في المجتمع الإسرائيلي، ليس فقط باعتباره أداة عسكرية، بل بوصفه كيانًا منخرطًا بعمق في الحياة المدنية، ومكوّنًا بنيويًا في تشكيل هوية دولة الاحتلال. هذا الحضور القوي للجيش يعود إلى رؤية المجتمع الإسرائيلي لنفسه ككيان استثنائي، يعيش في محيط عربي يُنظر إليه كتهديد دائم لوجوده.

يضيف المقال التحليلي، أن مركزية هذا الجيش الاحتلالي، تتجلى بوضوح في كونه امتدادًا مباشرًا للعصابات الصهيونية المسلحة التي سبقت قيام الدولة، وكان لها الدور الحاسم في بنائها وتثبيت دعائمها. فلم يكن الجيش مجرد مؤسسة عسكرية تقليدية، بل كان – ولا يزال – حجر الزاوية في مشروع الدولة الصهيونية.

يقدم المصدر ذاته، قصة العصابات الصهيونية المسلحة في أرض فلسطين مع تأسيس منظمة “بار جيورا” (Bar Giora) عام 1907، والتي تحولت لاحقاً إلى “هاشومير” (الحارس) عام 1909. كانت هذه المنظمات بمثابة النواة الأولى للميليشيات الصهيونية المسلحة في فلسطين. وفي أبريل 1920، رأت القيادة الصهيونية ضرورة إنشاء منظمة سرية على مستوى البلاد، فتم حلّها وانضم أعضاؤها إلى قوة عسكرية صهيونية جديدة أنشئت بدلاً عنها سميت “الهاغاناه” في نفس العام.

وتطورت الهاغاناه من ميليشيا عصابية محدودة إلى جيش سري منظم، خاصة بعد أحداث 1929 في فلسطين، حيث اكتسبت أسلحة أجنبية وبدأت في تطوير ورش عمل لصناعة القنابل والمعدات العسكرية البسيطة. وفي عام 1931، انشقت العناصر الأكثر تشدداً في الهاغاناه وشكلت “إرغون تسفاي ليئومي” (المنظمة العسكرية القومية)، المعروفة باسم “إرغون” أو “إتسل”.

تؤكد دراسة “عربي بوست” أنه و مع إعلان قيام “إسرائيل” في 14 مايو 1948، بدأت عملية إعادة تشكيل العصابات الصهيونية المسلحة تحت مظلة الدولة الوليدة. وفي 28 مايو، بعد أقل من أسبوعين، أصدرت الحكومة المؤقتة قراراً بدمج تنظيمات الهاغاناه والأرغون والليحي في إطار جيش موحد أُطلق عليه اسم “جيش الدفاع الإسرائيلي” (IDF). لكن هذا الدمج لم يكن سلساً ولا شاملاً، إذ شهدت صراعات داخلية. كان أبرز هذه الصراعات “حادثة ألتالينا” في يونيو 1948، حين حاولت منظمة الأرغون بقيادة مناحيم بيغن إدخال شحنة أسلحة خارج إطار جيش الاحتلال الجديد. رفض بن غوريون ذلك، وأمر بقصف السفينة التي تحمل الأسلحة، فاندلعت مواجهة مسلحة بين الجيش الناشئ وقوات الأرغون انتهت بمقتل 16 عنصراً من عصابة الأرغون، وتم حلها رسمياً في 12 يناير 1949.

قال المقال التحليلي ل”عربي بوست”، أنه اليوم، كما يوضح المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه في مقاله “انهيار الصهيونية”، يأكل هذا الكيان نفسه، فيقسم بابيه مجتمع الاحتلال في الداخل إلى معسكرين: “دولة إسرائيل” العلمانية التي أسسها اليهود الأوروبيون، و”دولة يهودا” الدينية التي تقودها حركة المستوطنين وتزحف بثبات داخل مفاصل الجيش والسياسة. هذا الانقسام ليس عارضاً، بل نتيجة منطقية لبنية نشأت أصلاً كعصابة، وتحولت إلى كيان سياسي دون أن تتخلى عن أدواتها الأولى.

ذكر المقال التحليلي، أنه في هذه الفترة، بدأت إسرائيل تشهد تحوّلاً بنيويًا، يمكن اعتباره انقلابًا تدريجيًا على المرحلة التأسيسية لدولة الاحتلال. فجيل “الرواد” من المستوطنين الأيديولوجيين، الذين أسسوا المشروع الصهيوني بقيادة النخبة الزراعية–العسكرية ذات الخلفية الصهيونية الاشتراكية، بدأ يتراجع من المشهد. ومع غياب هذا الجيل، ظهرت تركيبة اجتماعية–سياسية جديدة، حملت معها تغيّرات في البنية الاقتصادية، والثقافية، والتوجهات الأكثر تدينًا وتطرفًا.

وكانت حرب أكتوبر 1973 نقطة تحول بارزة في هذا المسار. فقد أدى الهجوم المفاجئ من الجيشين المصري والسوري وعبور قناة السويس إلى زعزعة صورة الجيش الإسرائيلي، الذي طالما اعتُبر قوة لا تُهزم منذ نصر 1967. وأسفرت الحرب عن لجنة تحقيق رسمية (لجنة أجرانات) واستقالة رئيس الأركان ديفيد بن أليعازر وعدد من كبار الضباط، ما شكّل بداية تآكل مكانة المؤسسة العسكرية التي كانت مركزية في الهوية الإسرائيلية.

أورد المقال التحليلي ل” عربي بوست” أنه لا يبدو ما نشهده اليوم من تطرف ميداني، وإبادة جماعية، وعنف انفجاري، وتحلل قانوني، إلا تتويجاً لمسار طويل أعاد إسرائيل إلى أصل الحكاية: كيان بُني على الإرهاب، وشرع أجهزته الأمنية عبر غلاف الدولة، لكنه لم يغادر منطق العصابة يوماً.

إن التحول لم يكن عشوائياً، بل استراتيجية ممنهجة لإعادة إنتاج هوية الكيان عبر بناء “مجتمع معرفي–أمني” ديني، تقوده نخب قومية متطرفة. وقد لعبت الأكاديميات العسكرية التمهيدية (المخينوت) دوراً مركزياً في هذا المشروع، كما توضّح الباحثة الإسرائيلية يودي ليبيل من جامعة مستوطنة “أريئيل” في مقال أكاديمي، كيف دمج بين التعليم التوراتي الصارم والتأهيل القتالي، لاستجلاب أبناء التيار الصهيوني الديني من هامش المجتمع إلى مركز القرار، خصوصاً في وحدات النخبة القتالية.

منذ إنشاء أولى هذه الأكاديميات في مستوطنة “عيلي” عام 1988، توسع حضورها في الضفة الغربية، حتى باتت تُخرّج آلاف المجندين سنوياً، يشكلون عصب الجيش القتالي، ويحملون معهم تصوراً دينياً يرى في الحرب امتداداً لـ”الخلاص اليهودي”، وفي السيطرة على “يهودا والسامرة” واجباً عقائدياً. منذ ذلك الحين توسّع عددها ليصل إلى نحو 30، منها 15 أكاديمية دينية معظمها في مستوطنات الضفة الغربية. يتخرج منها سنوياً نحو 3000 طالب، يشكلون نسبة مؤثرة في وحدات الجيش القتالية والنخبوية. وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة الضباط المتدينين ارتفعت من 2.5% في السبعينيات إلى أكثر من 30% في العقد الأول من القرن الحالي، لتصل في بعض الوحدات إلى 50%، كما أن 61% من مجندي المستوطنات يخدمون في وحدات قتالية مقابل 36% فقط من تل أبيب.

إنه ومن الزاوية السياسية، جاء تحالف نتنياهو مع أكثر القوى تطرفاً في المجتمع الإسرائيلي، بعد خسارته الحكم عام 2021، ليمنح هذا المشروع دفعاً غير مسبوق. فبدعم من شخصيات مثل بن غفير وسموتريتش، يحاول أن يمرر تشريعات تهدف إلى تفكيك ما تبقى من الدولة العبرية كجهاز قانوني مدني لليهود، عبر قوانين “التحصين” و”التغلب” و”درعي 2″ و”المستشار القانوني”، وكلها ترمي إلى تقويض سلطة القضاء، وضمان هيمنة مطلقة للحكومة المتطرفة، دون مساءلة أو توازن.

وهكذا، يبدو أن إسرائيل تعود إلى جذورها، عصابات دينية ذات غطاء رسمي، تُنتج قراراتها في المستوطنات وتُنفذها في غزة والضفة، فإسرائيل، بعد أكثر من سبعة عقود، لم تغادر أصلها العصابي. ما تغيّر فقط هو الشكل: من عصابة في الظل، إلى دولة عصابة في العلن.

المصدر: عربي بوست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى