اقتصادالرئسية

حقول الفراولة في إسبانيا و البحث عن لقمة العيش

بين الحقول الخضراء في إقليم “ويلبا” الإسباني، تتكرر كل سنة قصة نساء مغربيات يهاجرن بحثاً عن لقمة العيش، محملات بآمال كبيرة رغم ظروف الهشاشة التي تحيط بهن، لكن هذه القصة التي كثيراً ما أثير حولها الجدل بدأت تأخذ منعطفاً جديداً، كما تشير التصريحات الأخيرة لوزير الإدماج الاقتصادي المغربي،في تحول تدريجي نحو مقاربة شاملة للهجرة المهنية، يُراد لها أن تكون أكثر إنصافاً وإنسانية، وأكثر نجاعة اقتصادية.

فهل تنجح هذه المقاربة الجديدة في تحويل الهجرة الموسمية من مجرد فرصة مؤقتة إلى مسار متكامل للإدماج والتنمية؟

من الفلاحة إلى الإدماج: عندما تتحول الهجرة الموسمية إلى أداة للتمكين

أكد يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، أن الهجرة الموسمية إلى إسبانيا لم تعد مجرد نشاط موسمي مرتبط بجني الفراولة، بل أصبحت أداة إدماج اقتصادي واجتماعي حقيقية لفائدة النساء، خصوصاً المنحدرات من العالم القروي، ترتكز هذه الرؤية الجديدة للهجرة على تعزيز الكفاءات الوطنية وفتح آفاق مستدامة لولوج سوق الشغل خارج الحدود، مع الحرص على ضمان الكرامة والحماية القانونية للمستفيدات.

اتفاقيات دولية وشراكات أوروبية: هيكلة قانونية لتعزيز فرص الشغل بالخارج

منذ ستينيات القرن الماضي، انخرط المغرب في سياسة للهجرة المهنية المنظمة من خلال توقيع 12 اتفاقية دولية مع دول أوروبية، تشمل مجالات الفلاحة، الأشغال العمومية، النقل والمخابز، ويُعد الاتفاق الثنائي الموقع مع إسبانيا في 25 يوليوز 2001 أبرز هذه الاتفاقيات، إذ يوفر الإطار القانوني لتشغيل آلاف العاملات المغربيات في الضيعات الفلاحية و حقول الفراولة  الإسبانية سنوياً ، و اليوم تسعى الوزارة إلى توسيع هذه التجربة من خلال شراكات جديدة مع فرنسا وألمانيا في قطاعات تشهد طلباً متزايداً على اليد العاملة المؤهلة.

بين الضمانات والمراقبة: كيف تُدار عملية تشغيل العاملات الموسميات؟

تخضع عملية تشغيل العاملات الموسميات لمواكبة دقيقة تشمل مراحل ما قبل المغادرة، أثناء العمل، وبعد العودة،و يتم تنظيم دورات توعوية وتحسيسية للنساء المستفيدات، ويتم التنسيق بين السفارة المغربية والقنصلية العامة بإشبيلية لمتابعة ظروف العمل ميدانياً، كما تُشرف جمعيات مغربية وإسبانية على تقديم الدعم القانوني والثقافي، كما تتمتع العاملات بحقوق مساوية لنظيراتهن الإسبانيات، خصوصاً في ما يتعلق بالحماية الاجتماعية وظروف السكن، في خطوة تروم معالجة الانتقادات التي طالت التجربة في سنوات سابقة.

برنامج “وفيرة” وتجربة العودة: من الحقول الإسبانية إلى المقاولة المغربية

بعد نهاية الموسم الفلاحي، لا ينتهي الدعم الموجه للعاملات العائدات من إسبانيا، فبرنامج “وفيرة” يشكل أحد أوجه هذه المواكبة المستدامة، حيث يمكّن النساء من تحويل تجربتهن إلى مشاريع مدرة للدخل داخل الوطن. إلى غاية اليوم، تمكنت 231 عاملة من إنشاء مقاولات صغرى بدعم من مؤسسات مغربية وأوروبية، مما يعكس بداية تحول في فهم الهجرة الموسمية كفرصة لتراكم التجربة والاستقلال الاقتصادي، لا كمجرد مورد موسمي مؤقت.

بطاقة الإقامة لأربع سنوات: خطوة نحو الاستقرار المهني والقانوني

من أهم المستجدات التي كشف عنها الوزير السكوري، اعتماد “عقد عمل ثابت ومتقطع” ابتداءً من نهاية سنة 2023، وهو ما يمنح العاملات حق الإقامة في إسبانيا لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد دون الحاجة إلى تجديد التأشيرة سنوياً، هذه الخطوة تندرج ضمن سياسة تأمين الاستقرار المهني والاجتماعي للعاملات، وتفتح المجال لتجربة أكثر استدامة وأقل هشاشة.

المغرب واستراتيجية جديدة للهجرة المهنية: الرهان على التكوين والحماية الاجتماعية

في إطار مقاربة أكثر شمولاً، أعلن الوزير عن إعداد استراتيجية وطنية للحركية المهنية الدولية، بدعم من منظمتي العمل الدولية والهجرة، و تسعى هذه الاستراتيجية الجديدة إلى تأطير عملية الهجرة المهنية على أسس متينة تشمل التكوين، الوساطة، الحماية الاجتماعية، والتشبيك المؤسساتي، لضمان مصلحة العاملات والمشغّلين على حد سواء، وتحقيق أعلى درجات الفعالية في تنظيم التنقل المهني عبر الحدود.

أرقام ومؤشرات: قراءة في تطور عملية الهجرة الموسمية نحو إسبانيا

بلغ عدد العاملات المغربيات اللواتي غادرن نحو إسبانيا حتى 24 أبريل 2025 ما مجموعه 15.783 عاملة، مقابل 14.034 خلال الموسم السابق، أي بزيادة قدرها 12%، وقد تم تقديم 4.336 عرض عمل بإقليم ويلبا، بينما لا تزال 893 عرضاً إضافياً من أقاليم أخرى قيد المعالجة، هذه الأرقام تعكس تنامياً واضحاً في حجم العملية، مما يفرض تعزيز أدوات الحماية والتأطير بما يواكب هذا التوسع المستمر.

من مجرد رحلة موسمية محفوفة بالصعوبات، ضحايا استغلال العمالة والإتجار بالبشر، إلى مسار اقتصادي متكامل يتقاطع فيه العمل والتكوين والاستقرار الاجتماعي، يبدو أن المغرب يسير بخطى واثقة نحو هندسة جديدة للهجرة المهنية النسائية، فهل تكون هذه التجربة نموذجاً قابلاً للتكرار في سياقات إقليمية أخرى،

أم أنها لا تزال في حاجة إلى مزيد من الترصيد واليقظة لحماية النساء من شبح الاستغلال؟

يتبع…

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى