الرئسيةمجتمع

قضية رينشهاوسن: عمدة طنجة يدخل على الخط

يتواصل شدّ الحبل بين سكان وتجار بنايات رينشهاوسن وبيتري والملاك الجدد لهذه المعلمة التاريخية في قلب مدينة طنجة،    مدينة مغربية وسط تطورات جديدة تُنذر بإعادة رسم ملامح التوثر والاحتقان، لكن هذه المرة بمؤشرات انفتاح على حوار مؤسساتي قد يُمهّد لحل عادل ومتوازن.

لقاء مع عمدة طنجة

فمنذ اندلاع الأزمة، لم تتوقف جمعية سكان وتجار رينشهاوسن للتنمية البشرية عن دق أبواب المؤسسات المنتخبة والسلطات المحلية، من أجل نقل القضية من خانة التجاهل والتهميش إلى مساحات الإصغاء والمقاربة التشاركية، وجاءت آخر خطواتها يوم الثلاثاء 6 ماي 2025، حين عقد أعضاء مكتب الجمعية جلسة عمل رسمية مع نائبة عمدة طنجة ليلى تيكيت، المكلفة بالمجتمع المدني والشؤون الاجتماعية.

وشكّل الاجتماع الذي انعقد بمقر الجماعة، لحظة مفصلية في مسار النضال الذي تخوضه الساكنة والتجار، حيث عرض ممثلو الجمعية تفاصيل دقيقة حول تطورات الملف، مدعّمين مداخلاتهم بمعطيات ميدانية وإحصائيات توضح أن الأمر لا يتعلق بمجرد نزاع قانوني على محلات أو شقق، بل بمعضلة اجتماعية متجذرة تمسّ مئات الأسر والمستخدمين والتجار الذين راكموا وجودًا إنسانيًا واقتصاديًا استمر لعقود، وشكّل جزءًا من ذاكرة المدينة ونسيجها المجتمعي، فالبنايات التي يتراوح عمر تواجد سكانها ما بين ثلاثين ومئة وعشرين عامًا، لم تعد مجرد مبانٍ ذات طابع معماري فريد، بل تحوّلت إلى فضاءات حياة تختزن تجارب إنسانية وثقافية واجتماعية عميقة.

أبدت النائبة، وبحسب ما أفاد به بيان الجمعية، اهتمامًا كبيرًا بالملف، وتعهدت بعرضه على رئيس جماعة طنجة، في خطوة قد تعيد الأمل إلى نفوس المتضررين، وتفتح الباب أمام تعاطٍ مؤسساتي جاد مع واحدة من أكثر القضايا الاجتماعية حساسية في المدينة خلال السنوات الأخيرة.

ويأتي هذا اللقاء كجزء من استراتيجية شاملة تبنّتها الجمعية، قائمة على الترافع السلمي والمؤسساتي، من خلال لقاءات متتالية مع مختلف الفاعلين، بما في ذلك المجتمع المدني، الفعاليات السياسية، والنقابية، واللجان الجهوية المختصة بحقوق الإنسان.

فيما لا يخفى السكان والتجار قلقهم إزاء ما يعتبرونه سياسة ممنهجة من طرف الملاك الجدد، الذين اختاروا، بحسب الجمعية، سلوكًا يفتقر إلى الشفافية وروح المقاولة المواطِنة، إذ بدل فتح قنوات للحوار، تم اللجوء إلى الضغط القضائي عبر دعاوى استعجالية، وتوظيف عنصر أمن خاص لا تتسم مهامه بالوضوح، مما زاد من منسوب التوتر وانعدام الثقة.

وتندد الجمعية، في أكثر من مناسبة، بهذا النهج الذي يتناقض مع الفلسفة التي تتبناها الدولة المغربية في إطار “النموذج التنموي الجديد”  استشراف” ، حيث تعتبر المقاربة الاجتماعية والتشاركية ركيزة أساسية في أي تدبير عقلاني ودامج للنزاعات ذات الطابع العقاري أو التاريخي.

إشكالية التراث العمراني في المدن الكبرى

وتعيد هذه الأزمة تسليط الضوء على إشكالية التراث العمراني في المدن الكبرى، وحالة التنازع المستمر بين منطق السوق والمضاربة العقارية من جهة، ومتطلبات الحماية الاجتماعية والعدالة المجالية من جهة ثانية، فتصنيف بنايات رينشهاوسن وبيتري كتراث معماري جاء عقب زيارة ملكية سنة 2005، وهو تصنيف لم يكن ليرى النور لولا جهود السكان أنفسهم الذين بادروا على نفقتهم الخاصة بصيانة هذه المعالم والحفاظ على طابعها التاريخي.

ما تزال الجمعية تؤكد، وبإلحاح، على أن الحل يكمن في ترسيم قنوات حوار رسمية يشرف عليها فاعلون محايدون مثل السلطات المحلية واللجنة الجهوية لحقوق الإنسان، مع وقف فوري للمساطر القضائية، وتحديد آليات شفافة لأداء الواجبات الكرائية، بدل استمرارها في صندوق المحكمة، كما تطالب بإبعاد عنصر الأمن الخاص الذي أصبح مصدر قلق حقيقي، وبضرورة إشراك كل الجهات المعنية، المحلية منها والوطنية، بما في ذلك الديوان الملكي والهيئات المختصة بحماية التراث.

وفي خضم هذا الوضع المتأزم، تبقى الأنظار موجهة الآن إلى رئاسة جماعة طنجة، فهل سيحظى الملف بما يستحقه من اهتمام؟ وهل ستلعب المؤسسات المنتخبة دورها الحقيقي كوسيط ومسؤول عن تمثيل المواطنين والدفاع عنهم؟ الأكيد أن الاختبار بدأ، وأن أي تردد أو تأخير في التجاوب مع نداءات الساكنة قد يترجم إلى توترات اجتماعية لا تُحمد عقباها.
أما ساكنة رينشهاوسن وبيتري، فهي على موقفها الثابت: لا للتهجير، نعم للحوار… بشروط الكرامة والعدالة.

اقرأ أيضا…

سكان وتجار رينشهاوسن وبيتري بطنجة يرفعون صوتهم: لا للتهجير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى