الرئسيةرأي/ كرونيكسياسة

ثقل وكلفة الاعتقال لزفزافي ورفاقه…هذا آوان طي الملف

في لحظة إنسانية نادرة، اهتزت وسائل التواصل الاجتماعي، على وقع خبر خروج ناصر الزفزافي من خلف أسوار سجن طنجة 2، لا كحرّ طليق بل كابن يحمل وجعه إلى سرير والده المريض، في زيارة قصيرة بمثابة فسحة عابرة و مؤقتة داخل دوامة الظلم الطويلة، وذلك، بعد استجابة مندوبية السجون لطلب استثنائي حمل في طياته أكثر من مجرد لقاء عائلي، فقد كانت لحظة حميمة أثلجت صدور عائلته ومنحت الأب دفعة نفسية لمقاومة المرض..

ملف اعتقال يقارب العقد من الزمن

شكلت تلك اللحظة ومضة دافئة وسط ظلمة ملف اعتقال امتد لما يقارب العقد من الزمن، ملف له ثقل وتكلفة على الدولة مثلما له كلفة نفسية واجتماعية، تنهك المعتقلين وأسرهم، وتجعل من أسئلة العدالة والكرامة الوطنية جروح مفتوحة في جسد الوطن.

حقوقيون يأملون طي الملف

في هذا السياق أشاد نشطاء حقوقيون بالترخيص المؤقت الذي خوِّل للناشط ناصر الزفزافي، المعتقل على خلفية أحداث حراك الريف، زيارة والده أحمد الزفزافي، الطريح الفراش جراء المرض، معتبرين أن هذه الخطوة تحمل دلالات إنسانية وتفتح باب الأمل لطي هذا الملف الذي طال أمده، والذي ينبغي أن يطوى.

بدوره، قال عبد الإله الخضري، مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان، إن “ناصر الزفزافي ومحمد جلول ونبيل أحمجيق ورفاقهم بلغوا رسالتهم، التي تعكس سخط وهاجس شرائح عريضة من الشعب المغربي قابعة تحت براثن التهميش، وقد قدموا ضريبة باهظة من حريتهم”.

لنعد إلى نقطة البداية، ناصر الزفزافي، إبن الحسيمة، لم يكن مجرمًا ولا خارجًا عن القانون، كان صوتًا جهوريًا يحمل وجع الريف، رافضًا للتهميش، مطالبًا بمطالب بسيطة ومشروعة: مستشفيات تحفظ الكرامة، جامعة تضمن التكوين والتعليم، وعدالة تنصف المهمشين، لم يدعُ للعنف، لم يخرب ممتلكات، لم يزرع فتنة، بل حمل شعار السلمية وواجه الدولة بصدر مكشوف وقلب ملتهب بحب الأرض.. لكن الدولة لم تقرأ صراخه كمطلب اجتماعي، بل كتهديد أمني، فكان الاعتقال، ثم المحاكمة، فالأحكام القاسية التي وصلت إلى عشرين سنة سجنا نافذا في حق شباب كل ذنبهم أنهم رفضوا الصمت ورفضوا التهميش .

إن اعتقاله، إلى جانب رفاقه نبيل أحمجيق ومحمد جلول سمير إغيد وآخرين، لم يكن مجرد إجراء قانوني، بل خطوة فجّة أغلقت باب الحوار وفتحت أبواب القمع، والمقاربة الأمنية، بدل أن ينظر للحركات الاحتجاجية، كشريك وليس خصما للدولة.

صدر الحكم، واستُوفيت مراحل التقاضي، و تحصّنت الأحكام قضائيًا، لكنها لم تتحصن أخلاقيًا ولا سياسيًا أمام التاريخ أو ضمير الشعب، ما جرى في الحسيمة لم يكن إلا انعكاسًا لفشل بنيوي في التعاطي مع مطالب اجتماعية مشروعة، فأن يُطلب من هؤلاء المعتقلين اليوم التقدم بطلب “عفو”، هو ما يشبه صبّ الملح في الجرح: العفو عن ماذا؟ عن المطالبة بحقوقهم؟ عن فضح اختلالات التنمية؟ عن قول الحقيقة في وجه سلطة اعتادت الصمت أو الاستعلاء أو إعلاء المقاربة الأمنية؟

العفو في السياق المغربي ليس مجرد امتياز قانوني، بل هو فعل سيادي يحمل رمزية كبرى، وأعظم التفاتة اليوم، قد تصدر عن الملك محمد السادس، هي إنهاء هذا المسلسل الموجع بعفو ملكي شامل، ليس لأن المعتقلين مذنبون ويحتاجون إلى “صفح”، عفوٌ لا يعني التسامح مع “جريمةأصلا غير موجودة”، بل تصحيح لخطأ سياسي فادح دام أكثر من اللازم، عفو لأن الوطن يحتاج إلى طي هذه الصفحة الثقيلة بما يحفظ الكرامة ويرسخ المصالحة  الريف، هؤلاء الشباب، الذين حصلوا خلال فترة اعتقالهم على شواهد دراسية وواصلوا تحصيلهم العلمي، لا يحملون الضغينة، بل يستعدون ليكونوا فاعلين في خدمة وطنهم من داخل المؤسسات، لا من خلف الأسوار.

العفو اليوم ليس تنازلاً من الدولة، بل شجاعة سياسية تعيد التوازن للمعادلة المختلة، فقد أثبتت سنوات السجن أن القمع لا يُلغي المطالب، وأن السجون لا تطفئ شرارة الكرامة.. على العكس، هي تزرع في الوعي الجماعي شعورًا أعمق بالغبن، وتُرسّخ صورًا مأساوية لأبناء هذا الوطن الذين عوقبوا فقط لأنهم حلموا.

اليوم، الحسيمة.. لا تبكي فقط على مريض في مصحة، بل تبكي على عقد من الزمن ضاع في الخصومة بدل الشراكة، وعلى دولة لم تسمع، ثم لم تفهم، ثم اختارت الردّ بالعصا، لكن ربما آن الأوان، والفرصة الآن سانحة، لتكتب الدولة فصلًا جديدًا من علاقتها بأبناء الريف: فصلًا لا يكون فيه ناصر الزفزافي معتقلاً، بل مواطنًا حرًا، شريكًا في التغيير، وفخورًا بانتمائه لوطن لا يعاقب أبناءه لأنهم قالوا “كفى”.

هل ستسمع الدولة نداء الريف؟ وهل سيكون العفو الملكي بداية لعدالة متأخرة لكنها لازمة؟ الزمن وحده سيجيب، لكن التاريخ لا ينسى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى