
بينما يهرول “موروكو” لاستضافته كأس العالم 2030، هل سيضيع “مغرب الشعب” بين أولويات الفرجة و أولويات العيش الكريم.
مع استعداد المغرب لتنظيم نهائيات كأس العالم 2030، التي ينظمها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا). إلى جانب كل من إسبانيا والبرتغال، تبرز إلى السطح تساؤلات متعددة حول مدى قدرة الاقتصاد الوطني على استيعاب التكاليف المرتبطة بهذا الحدث الدولي، وتداعياته المحتملة على السياسات التنموية والمالية للبلاد.
الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، نبيل بنعبد الله، عبّر خلال تصريحاته الأخيرة عن عدد من الملاحظات بخصوص تدبير هذا الورش الكبير، مستحضراً تجارب دولية مماثلة، ومحذراً من التبعات الاجتماعية والمالية المرتبطة به إذا لم يُدمج في رؤية تنموية شاملة ومتوازنة.
و أشار بنعبد الله، سياسي مغربي، إلى أن الدول التي نظّمت أحداثاً رياضية دولية كبرى لم تخرج منها غالباً بمكاسب مالية صافية، بل إن العديد منها اضطر إلى مراكمة ديون إضافية لتمويل البنيات التحتية اللازمة، واستشهد بتجارب كل من البرازيل، التي أنفقت على مونديال 2014 ما يقارب 15 مليار دولار، وجنوب إفريقيا التي صرفت على دورة 2010 أكثر من 3.6 مليار دولار، دون أن تحقق عوائد مستدامة توازي تلك الاستثمارات.
زيادة حجم المديونية المغربية
على المستوى الوطني، أبدى بنعبد الله تخوفاً من توجه المغرب نحو التمويل الدولي لتمويل مشاريع مرتبطة بالمونديال، مما قد يزيد من حجم المديونية العمومية، فوفق أرقام صادرة عن وزارة الاقتصاد والمالية لسنة 2023، بلغ إجمالي الدين العمومي حوالي 70% من الناتج الداخلي الخام، بينما تسعى الحكومة إلى اقتراض مليارات الدولارات لتنفيذ التزاماتها في إطار الاستعدادات لكأس العالم، وهو ما يطرح تساؤلات حول تأثير ذلك على التوازنات المالية.
وفيما يخص العدالة المجالية، عبّر الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية عن قلقه إزاء ما وصفه بالتركيز الجغرافي المتوقع للاستثمارات المتعلقة بكأس العالم في مدن معينة، على حساب مناطق أخرى تعاني أصلاً من خصاص تنموي هيكلي، مشيرا إلى أن تجهيزات البنية التحتية ستنحصر في مدن مثل الدار البيضاء، الرباط، مراكش، طنجة، فاس، وأكادير، بينما لن تستفيد منها جهات أخرى مثل الشرق، بني ملال-خنيفرة، ودرعة تافيلالت، ولفت الانتباه إلى أن هذه الجهات، بحسب مؤشرات المندوبية السامية للتخطيط، تُصنف من بين الأضعف في نسب التنمية، حيث تسجل معدلات فقر تصل إلى أكثر من 20% في بعض الجماعات، ونسب بطالة مرتفعة في صفوف الشباب.
تفاوت مجالي
هذا التفاوت الجغرافي يثير تساؤلات حول مدى قدرة تنظيم كأس العالم على أن يكون رافعة تنموية وطنية شاملة، وليس فقط مشروعاً متمركزاً حول أقطاب حضرية محددة، ويؤكد بنعبد الله في هذا الصدد أن المونديال لا يجب أن يُنظر إليه فقط كحدث رياضي أو إنجاز دبلوماسي، بل كفرصة ينبغي إدماجها في رؤية تنموية تضمن توزيعاً عادلاً للثمار الاقتصادية والاستثمارية بين مختلف الجهات.
في هذا الصدد، تُظهر المعطيات المتوفرة حول البنيات التحتية الحالية أن عدداً من المدن التي لن تحتضن المباريات تفتقر إلى تجهيزات أساسية، سواء على مستوى الربط السككي، أو المرافق الصحية، أو الفضاءات الرياضية. فعلى سبيل المثال، لا تشمل مشاريع القطار فائق السرعة الخطوط الرابطة بين فاس ومناطق الشرق، أو بين مراكش والمدن الجنوبية الشرقية، ما يُحد من تأثير شبكة النقل الحديثة على الدينامية الجهوية.
وفي السياق الاجتماعي، تتقاطع هذه التحفظات مع تحديات قائمة تمس قطاعات حيوية، فحسب تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين، لا يتقن 70% من تلاميذ التعليم الابتدائي المهارات الأساسية في القراءة، ويُسجَّل هدر مدرسي سنوي يتجاوز 330 ألف تلميذ، أما على مستوى الصحة، فتُقدَّر نسبة الأطباء في المغرب بـ13 لكل 10 آلاف نسمة، أي أقل من نصف الحد الأدنى الذي توصي به منظمة الصحة العالمية، في حين تستمر القدرة الشرائية للمواطن المغربي في التراجع، متأثرة بارتفاع الأسعار بنسب تجاوزت 15% في المواد الغذائية خلال السنوات الأخيرة، حسب بيانات المندوبية السامية للتخطيط.
كأس العالم والرؤية الاستراتيجية
كل هذه المعطيات تدفع إلى طرح سؤال مركزي، كما ورد في تصريح بنعبد الله: هل ستُوظَّف فرصة تنظيم كأس العالم ضمن رؤية استراتيجية توازن بين متطلبات الحدث ومقتضيات التنمية الوطنية، أم ستظل مشاريع البنية التحتية مركزة في مدن بعينها دون امتداد فعلي للمناطق الأخرى؟
في ختام مداخلته، شدّد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية على أهمية دمج هذا الحدث الرياضي الكبير في إطار إصلاحات اقتصادية ومجالية تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الجهات، وتضمن استدامة ذات أثره التنموي، داعياً إلى مقاربة متكاملة تضع في الحسبان التحديات الاجتماعية القائمة وتستحضر الأولويات الوطنية على المدى الطويل.