الرئسيةثقافة وفنون

“الهروب 1944”: السينما وإعادة الاعتبار لبطولات الجنود المغاربة ضد النازية

في مساء مميز من أمسيات الذاكرة والتكريم، احتضنت القنصلية العامة للمملكة المغربية في بروكسيل العرض ما قبل الأول للفيلم القصير “الهروب 1944″، من توقيع المخرج المغربي سعيد حسبي.

صناعة السينما في المغرب.

يستحضر الفيلم، واحدة من الصفحات المهملة في الذاكرة الجماعية، حيث يشكل تحية رمزية ووجدانية للجنود المغاربة الذين شاركوا ببسالة في الحرب العالمية الثانية ضد آلة النازية، والذين غالباً ما غابت تضحياتهم عن السرديات الرسمية الأوروبية.

سينما المقاومة وواجب الذاكرة

“الهروب 1944” ليس مجرد عمل فني أو تمرين سينمائي على استعادة الماضي، بل هو تعبير صادق عن التزام المخرج حسبي بما يسميه “واجب التوثيق وإحياء الذاكرة المنسية”، حيث استلهم الفيلم من وقائع حقيقية ترتبط مباشرة بتجربة والده، وهو أحد قدماء المحاربين المغاربة الذين شاركوا في الجبهة الأوروبية خلال الحرب العالمية الثانية ” أوروبا“، ومن خلال هذه الحكاية الشخصية، ينجح الفيلم في فتح نافذة على واقع آلاف الجنود المغاربة الذين جُنّدوا في صفوف الجيش الفرنسي، وساهموا بدمائهم في تحرير أوروبا من براثن الفاشية، دون أن يُنصفهم التاريخ أو تُنصفهم كتب المدرسة.

وقد جرى تصوير الفيلم في بلجيكا، وجمع في بطولته عدداً من الممثلين المغاربة والأوروبيين، من بينهم بوجمعة البطيوي، وريك تيرموت، وعبدو غفاري إنوسا، وفيليب سيدوف، وفانسون لامبريكس، عبّرت هذه التوليفة الفنية عن تلاقح حضاري وعن عمق إنساني يتجاوز الحدود الجغرافية، في سياق يُعيد الاعتبار للبطولة المغربية في أرض غريبة، وفي معركة كونية كان رهانها الحرية.

عرض سينمائي بنكهة الاعتراف التاريخي

 

و خلال كلمة ألقاها بالمناسبة، اعتبر القنصل العام للمغرب في بروكسيل عاصمة الاتحاد الأوروبي بحكم الأمر الواقع، حسن التوري، أن هذا الفيلم يمثل لحظة رمزية لكشف النقاب عن فصل منسي من التاريخ، قائلاً: “نحن أمام مغامرة إنسانية نبيلة لم تنل ما تستحقه من تمجيد، ودور بطولي طاله التهميش طويلاً”، وأضاف التوري أن “الهروب 1944” لا يُعد فقط تكريماً لهؤلاء الجنود، بل هو دعوة حقيقية لإعادة كتابة التاريخ من زاوية أكثر عدلاً، تسلط الضوء على مساهمات شعوب المستعمرات السابقة في رسم معالم العالم الجديد بعد الحرب.

وتوقف القنصل عند أهمية “واجب الذاكرة”، معتبراً أن مثل هذه المبادرات تبرز التزام المغرب التاريخي بالقيم الكونية، وتُحمل الأجيال الجديدة مسؤولية نقل هذا الإرث الوطني والإنساني، صوناً لتضحيات لم تكن يوماً محصورة في الجغرافيا.

الذاكرة الحية تُقاوم النسيان

من جهته، تحدث المخرج سعيد حسبي عن الدافع الشخصي وراء هذا العمل، مؤكداً أن الفيلم ليس فقط تجسيداً فنياً لرواية تاريخية، بل هو وفاء لروح والده ولكل الجنود المغاربة الذين “كتبوا أسماءهم بدمهم في دفاتر حرية العالم”، وأضاف: “هؤلاء الجنود هم أبطال مغيّبون، وذاكرتهم لا يجب أن تظل حبيسة الوثائق أو الصور النادرة، بل يجب أن تُخلد بكل وسائل التعبير، لا سيما من خلال الفن السابع القادر على التأثير وإيصال الرسالة عبر الأجيال”.

وقد عرف العرض نقاشاً غنياً تفاعل خلاله الجمهور، الذي ضم فنانين وكتاباً ومؤرخين، مع مختلف مضامين الفيلم، حيث أجمع الحاضرون على أهمية هذا النوع من الأعمال السينمائية في إعادة بناء الذاكرة الجماعية بمنظور أكثر شمولاً وعدالة.

سعيد حسبي… فنان الذاكرة والهوية

ينتمي المخرج سعيد حسبي إلى الجيل الذي اختار أن يحمل قضايا الذاكرة والهوية إلى الشاشة، بأسلوب يمزج بين التوثيق والسرد الإبداعي، وهو من مواليد مدينة مراكش سنة 1966، واستقر في بلجيكا منذ عام 1996، حيث واصل مساره الفني كمخرج وكاتب سيناريو وملحن موسيقي، فيلم “الهروب 1944” هو ثالث أعماله القصيرة، بعد “أحلام”(2017) و”I Wanna Fl\* (2020)، ويبدو أنه أكثرها نضجاً والتصاقاً بتجربته الذاتية.

من خلال هذا العمل، يثبت حسبي أن السينما ليست مجرد وسيلة للترفيه أو التأريخ، بل هي فعل مقاومة ضد النسيان، وجسر يربط الماضي بالحاضر، ويمنح الضحايا صوتاً كان من حقهم منذ زمن طويل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى