الرئسيةسياسة

إدريس الراضي من قبة البرلمان إلى قفص الاتهام

قضت المحكمة الابتدائية بسيدي سليمان_ضمن جهة الرباط سلا القنيطرة_، مؤخرًا، بالسجن النافذ لمدة أربع سنوات في حق إدريس الراضي، البرلماني السابق عن حزب الاتحاد الدستوري، وبثلاث سنوات في حق شقيقه كريم الراضي، بعد متابعتهما في قضية تتعلق بتزوير وثائق إدارية واستعمالها للاستيلاء على أراضٍ سلالية شاسعة بمنطقة الغرب، تجاوزت مساحتها 102 ٠هكتار.

ملف عقاري بمضاعفات سياسية وقانونية

تفيد وثائق القضية أن المتهمين واجها تهمًا تتعلق بتزوير مستندات رسمية وتسجيل ملكيات مزورة تعود لأراضٍ سلالية باسم أفراد من خارج الجماعة المالكة، وتشير المصادر إلى أن العملية استندت إلى مسارات معقدة تم فيها استغلال ثغرات قانونية وتقصير إداري، بهدف إضفاء الشرعية على عمليات التحفيظ المشبوهة.

ورغم صدور الأحكام الابتدائية، فإن هيئة الدفاع سارعت إلى تقديم استئناف، ما يعني أن مراحل التقاضي لا تزال مستمرة وقد تفرز معطيات جديدة في المرحلة القادمة.

من “كرشي خاوية” إلى دائرة الاتهام

اشتهر إدريس الراضي لدى الرأي العام المغربي بحادثة “تعرية البطن” داخل قبة البرلمان، حين صرخ قائلاً “كرشي خاوية”، في واحدة من أبرز الصور التي علقت في ذاكرة الجلسات التشريعية، لكن ما كان يُنظر إليه كموقف احتجاجي أو تعبير شعبي، تحوّل اليوم إلى جدل سياسي وقانوني بعد تورطه في قضية تتعلق باستغلال النفوذ العقاري.

الراضي، الذي شغل مناصب وازنة داخل حزب الاتحاد الدستوري، يُعد من أبرز أعيان منطقة الغرب، حيث شكلت علاقاته الممتدة في السياسة والإدارة رافعة لحضوره القوي في المشهد المحلي لعقود.

آراء قانونية: خطوة قضائية لا تعني عدالة شاملة

يرى الأستاذ عبد الحميد المودني، محامٍ بهيئة القنيطرة، أن هذه القضية تندرج ضمن “الجرائم العقارية المعقدة التي يستغل فيها بعض الأعيان النفوذ المحلي للتلاعب بالملكية الجماعية”، لكنه يضيف بنبرة حذرة: “الحكم في حد ذاته لا يعني أن القضاء يُطبق العدالة على الجميع، فما تزال هناك ملفات مشابهة، بل أكثر حساسية، لم تُفتح أو بقيت مجمدة دون مبررات واضحة”.

المودني يعتبر أن المشكلة الأعمق تكمن في الانتقائية التي تطبع بعض المتابعات، مما يثير تساؤلات حول استقلال القضاء ومدى التوازن في التعاطي مع قضايا المال والنفوذ.

واقع الأراضي السلالية: ملكية جماعية في مهب التلاعب

الحقوقية نرجس بلمودن، المهتمة بملف الأراضي السلالية، ترى في هذه القضية نموذجًا مصغرًا لمعضلة وطنية كبرى.. “هذه الأراضي تمثل ثروة جماعية تعود لآلاف الأسر، لكنها تُدار بعقلية تقليدية تسمح بالتواطؤ بين نواب الجماعات السلالية ومسؤولين محليين لتفويت المساحات بأثمنة رمزية أو بوثائق مزورة”، تقول بلمودن.

وتضيف: “ما لم تتم رقمنة هذه الملكيات، وتفعيل الرقابة القضائية والإدارية على تدبيرها، فسنظل نشهد مثل هذه القضايا، دون قدرة فعلية على وقف النزيف”.

خلفية تشريعية: أراضٍ بالملايين… بلا حماية كافية

تُعد الأراضي السلالية من أكثر الملفات العقارية تعقيدًا في المغرب، حيث تقدر مساحتها بأكثر من 15 مليون هكتار، وتخص أكثر من 10 آلاف جماعة سلالية، وتخضع هذه الملكيات لنظام خاص انطلق بموجب ظهير 1919، وتم تعديله سنة 2019، دون أن تتبلور آليات فعالة لتطبيقه.

و يتم تدبير هذه الأراضي غالبًا عبر نواب غير مؤهلين قانونيًا، وبتنسيق مع السلطات المحلية، في غياب قاعدة بيانات موحدة أو نظام رقابة صارم.فيما رصدت تقارير رسمية اختلالات كثيرة، من بينها غياب الشفافية في استغلال الأراضي، وانتشار النزاعات الداخلية، وتفشي التلاعب في عقود الانتفاع والبيع.

قراءة سياسية: هل نشهد تحولًا فعليًا في موازين السلطة؟

يرى متتبعون أن متابعة شخصية مثل إدريس الراضي قد تحمل رمزية سياسية، لكنها لا تعني بالضرورة تحوّلًا جذريًا في قواعد اللعبة، فالقضية تكشف عن توتر خفي بين إرادة تجديد النخب، ومقاومة تقليدية لثقافة المحاسبة، خصوصًا في المناطق التي يُهيمن فيها الأعيان على مفاصل القرار المحلي.

تقول الباحثة في العلوم السياسية مريم زروال: “إذا أردنا قراءة هذه المتابعة بموضوعية، يجب أن نضعها في سياق عام لا تزال فيه ملفات ثقيلة طي الكتمان، أو لا تعرف مسارات قضائية واضحة، العدالة ليست فقط إصدار أحكام، بل هي منظومة تبدأ بالشفافية وتنتهي بالمحاسبة المتساوية”.

محاكمة بأبعاد مركبة

في انتظار ما ستسفر عنه مرحلة الاستئناف، تظل قضية إدريس الراضي مرآة تعكس أعطابًا بنيوية في تدبير الثروة العقارية الجماعية، وضرورة إصلاح منظومة القضاء العقاري، كما تفتح الباب مجددًا أمام نقاش طالما تأجل، حول علاقة السلطة بالمصالح العقارية، وسبل تحرير الملك الجماعي من هيمنة النفوذ والزبونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى