الرئسيةرأي/ كرونيك

عيد بلا خروف…ووطن بلا “سياسة” في كل شيء

تحرير: جيهان مشكور

حين يجرّب كل شيء ولا ينجح في أي شيء، فاعلم أنك في حضرة حكومة تُتقن التجريب وتُسيء الفهم و التعلم، أو هذا ما نظن إن كان هدفها المعلن هو فعلا خط الوصول.

حكومتنا الموقرة بقيادة رجال الأعمال… ومن أجل النهوض بالقطاع الفلاحي، جربت الدعم، والإعفاء، والاستيراد، والمناظرات، ومخططات “الريادة” والمغرب الأخضر، ولم تحصد إلا العجز ومراكمة الأخطاء الاسترلتيجية في قطاع، الأخطأ فيه قاتلة ومدمرة.

 

قطاع، القطيع فيه منهكًا، والفلاح مكسورًا، والمواطنون بلا خروف في مناسبة تمنحهم بعض الفرح، حتى ولو كان مغروسا في بحر من المعاناة وضنك العيش.

حكومة في الحقيقة، نجحت في إثراء جيوب من يطلق عليهم مستثمرين ومستوردين و أصحاب رؤوس أموال و فلاحين لكبار، مع أن الاسم الذي انطبق عليهم هو اسم “الفراقشية”…

فسنة 2025 لم تكن استثناءً، بل كانت تتويجًا لانهيار مكتمل الأركان، الدعم يصبّ حيث لا يجب، والمليارات تُنفق كمن يرمي الماء في الرمال، بينما تُعاني القرى من الجفاف الاقتصادي، والحواضر من جفاف السياسات.. والنتيجة؟ عيد بلا أضحية، وأضحية الوطن هي المواطن ذاته.

1300 مليار درهم: قصة فشل اسمه “المخطط الأخضر”

لنعد إلى الوراء قليلاً، المخطط الأخضر الذي انطلق سنة 2008 تحت شعار “تحقيق السيادة الغذائية”، بلع في جوفه أكثر من 1300 مليار درهم خلال 15 سنة، أي أكثر من ميزانية التعليم والصحة مجتمعين في بعض السنوات.

لكن ماذا حقق؟

* تراجع القطيع الوطني بنسبة تفوق 40% خلال خمس سنوات.
* انقراض آلاف الكسابة الصغار بعد أن التهمتهم قروض العلف و”مضاربات الأعلاف”.
* تحول الفلاح من منتج إلى متسول دعم موسمي.
* انفجار الأسعار في لحوم يفترض أنها محلية.
وبهذا، تحوّل “الجيل الأخضر” من حلم التنمية إلى كابوس يُعيدنا إلى نقطة الصفر، إن لم تكن إلى ما دونها.

مسرحية عيد الأضحى:

الفصل الأول.. عقد بـ1445 مليار… عنوانه “تثمين”، مضمونه تبذير

في ماي 2023، وفي معرض الفلاحة بمكناس، وقّع وزير الفلاحة عقدًا لتطوير سلسلة اللحوم الحمراء بقيمة 1445 مليار سنتيم، للوهلة الأولى، يبدو هذا رقما ضخما وطموحا، لكن عند تفكيك مصدر التمويل، تتضح أولى علامات الخلل:

775 مليار سنتيم من خزينة الدولة، أي من الضرائب التي يدفعها المواطنون.
670 مليار سنتيم من المهنيين، لكن أغلبها قروض مضمونة من نفس الدولة، وبضمانات من نفس الأبناك التي تحتضن ودائع المواطنين.

بمعنى أوضح: تم تمويل هذا المخطط من جيب المواطن مرتين، مرّة كدافع ضرائب، ومرّة كمدخر في النظام البنكي، و بدل تحسين وضع القطيع المحلي، بدأ منحنى انهياره بعقود “التثمين” التي تُضخّم الكلفة دون أن تُحدد بدقة ما سيُنجز، لا أهداف رقمية واضحة، لا تتبع للمردودية، لا محاسبة للنتائج، مجرد لعبة أرقام تُسجل في تقارير وزارية للعرض في مناسبات دولية.

إعفاءات أكتوبر: 200 مليار سنتيم أخرى نحو كبار الفاعلين

ما بين أكتوبر 2023 و2024، منحت الدولة إعفاءات جمركية وضريبية للمستوردين بقيمة 200 مليار سنتيم.
الهدف المُعلن: تخفيض الأسعار، وتحسين العرض، لكن ما حصل؟ لا الأسعار انخفضت، ولا العرض المحلي انتعش، ولا الفلاح شعر بأي تحسين في وضعيته.

هذه السياسة ضربت “مبدأ تكافؤ الفرص” في مقتل. الفلاح المغربي يؤدي الضرائب ويشتري العلف بسعر السوق، بينما المستورد يُعفى من كل شيء ويُكافأ، نحن أمام حالة تمييز مؤسسي ضد الإنتاج الوطني لفائدة الرأسمال التجاري، حيث تتعامل الدولة مع الفلاحة كعبء، ومع الاستيراد كحل سهل لتسكين الأزماتإعفاءات أكتوبر: 200 مليار سنتيم أخرى نحو كبار الفاعلين.

الفصل التاني، عيد الأضحى 2024: دعم طارئ… لخدمة السفن القادمة من أوروبا

2024 كان عامًا فارقًا، ففي عز الأزمة، قبل أيام من عيد الأضحى، قررت الحكومة ضخ 50 مليار سنتيم كدعم لمستوردي الأغنام، توقيت القرار لم يكن عفويًا: السفن المحملة برؤوس الماشية الإسبانية والرومانية كانت قد وصلت فعليًا إلى مشارف الموانئ المغربية “استيراد أكثر من 800 ألف رأس غنم” .


الدولة لم تنقذ القطيع الوطني، بل أنقذت الصفقات الخارجية، ما حدث ليس تدخلًا طارئًا لإنقاذ السوق، بل تواطؤ زمني بين القرار السياسي والوصول الفعلي للبضاعة، أي أن المستورد كان يعلم مسبقًا أن الدعم سيُمنح، وأن الدولة ستُعفيه من الخسائر وتُضمن له الربح، حتى قبل التوقيع.

من أنقذ في هذا السيناريو؟ المواطن؟ القطيع الوطني؟ الفلاح؟ لا.

ما أنقِذ فعليًا هو جيوب لوبيات الاستيراد، التي حصلت على الدعم، والإعفاء، وربح هامش التسويق، بينما لم تنخفض الأسعار، ولم يتحسن العرض، ومن جهة أخرى، تم وأدُ آخر فرص إنعاش القطيع الوطني، حيث لم يُمنح الفلاح المغربي دعمًا مماثلاً لتجهيز قطيعه، لم تُخفّض أسعار الأعلاف، لم تُفتح أسواق قروية للعرض، بل فُضّل المستورد على المحلي، بمباركة رسمية.

550 مليار سنتيم هُرّبت إلى أوروبا عبر اللحم

في سنة واحدة، تم استيراد كميات ضخمة من اللحوم، سواء مجمدة أو حية، بقيمة 550 مليار سنتيم، لم ينعكس هذا على الأسعار، ولم يظهر أثره في وفرة السوق، العكس هو ما حصل: الأسعار واصلت الارتفاع، والذبح السري ازدهر، والقطيع الوطني تقلّص.

ليظهر جليا أن المشكلة ليست في الاستيراد فقط، بل في غياب سياسة تخزين، وضعف المراقبة، وفساد اغلب شبكات التوزيع، اللحم الأوروبي المدعوم من الدولة لم يصل بالثمن المدعوم للمستهلك، دخل عبر قنوات محمية، ووزّع من طرف شبكات تعرف أين، ومتى، وبكم تُسعّر، ولعبت الدولة دور الممول، لا المراقب.

الفصل التالث : عيد الأضحى 2025.. حين تذبح الدولة آخر طقوس الفرح

لم يكن مفاجئًا أن يعلن أمير المؤمنين عن إلغاء شعيرة عيد الأضحى بسبب عدم توفر أكثر من نصف القطيع المطلوب،

تقديرات الخسائر بلغت 1200 مليار سنتيم، كانت لتُضَخ في الدورة الاقتصادية القروية، فعيد الأضحى ليس مناسبة دينية فقط، بل ركيزة اقتصادية للفلاحين.

الأموال التي تُضخ خلال الموسم تُمَكِّن آلاف الأسر من شراء البذور، تسديد الديون، إصلاح معدات الزرع، بغياب العيد، غابت دورة الحياة القروية. من لم يبع خروفه، لم يزرع، ومن لم يزرع، لن يبيع السنة المقبلة، إنها سلسلة انهيار متكاملة، بدأت بقرار سياسي كان لا خيار فيه لإنقاد ما يمكن إنقاده، وانتهت بعجز فلاحية.

سياسة دعم أم سياسة إعدام؟

حين تداركت الدولة المأساة، خرجت بحزمة “الإنقاذ الأخير”:
* إعفاء من الديون لـ50 ألف كساب.
* 400 درهم مقابل عدم ذبح النعاج.
* دعم الأعلاف.
* دعم بيطري بقيمة 620 مليار سنتيم.
لكن هل تأخر الوقت؟ نعم.
وهل كانت هذه الإجراءات كافية؟ إطلاقًا.

لأننا لسنا أمام “أزمة ظرفية”، بل أمام إفلاس هيكلي لمنظومة فلاحية ظلت تُدار بعقلية “الكمية لا الكفاءة”، و”العرض لا السيادة”.

الدعم جاء متأخرًا، ضبابيًا، مُوزّعًا دون منظومة تتبع حقيقية.. فلا مراقبة لوجهة الأموال، ولا تقييم للأثر، ولا ضمان لاستدامة الدعم، الفلاح الذي خرج من السوق في 2024و2025 لن يعود في 2026 بجرعة “إعفاء”.

اللحم صار عملة نادرة… والدوارة صارت طيفًا من الماضي

اليوم، صار اللحم يُباع بنظام “القنينة”، وتُطلب الدوارة في السر كأنها منشور ممنوع.
* كيلو اللحم تجاوز 150 درهمًا في المدن.
* “الدوارة” وصلت إلى 700 درهم في السوق السوداء.
* الدجاج صار بديلاً مضطراً، لا رغبة.
* مربي الماشية؟ تراجعت أعدادهم بـ30% خلال سنتين فقط، بسبب انهيار الأسعار، وغياب التحفيز، وهيمنة السوق السوداء.

القاتل في الجلابية: الفراقشية

وراء كل هذا النزيف، تقف طبقة لا تُحاسب، ولا تُسمى في التقارير الرسمية: الفراقشية، عصابة اقتصادية تمتص الدعم، تسيطر على الأسواق، تستفيد من الإعفاءات، وتواصل الذبح… للقطاع والمستهلك على حد سواء.
فلاحونا يُغادرون الأرض، والمجال القروي يتحول إلى “منطقة عبور”. القطيع الوطني يُذبح في صمت، بينما المواطن يصفّق لفوز في مقابلة كرة، وينسى أن غذاءه يُصنع في البرلمان لا في الميدان.

من يذبح من؟

لم نعد نسأل: لماذا لم نذبح الخروف هذا العيد؟
بل نسأل: لماذا نُذبح نحن كل يوم؟

نُذبح باللامبالاة، بالعشوائية، بغياب الرؤية، بتسليع السياسة، وبتواطؤ النخب.
وهكذا يتحول عيد الأضحى من طقس ديني إلى مرآة سياسية، تكشف أن القربان الحقيقي ليس الخروف، بل المواطن… كل عيد و”دوارة” وأنتم بخير… ما دامت الحكومة تُجيد الذبح، دون سكين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى