اقتصادالرئسيةحول العالم

هل نعيش نهاية الهيمنة الاقتصادية الأميركية؟

في خطوة أثارت الكثير من الجدل والخشية حول مستقبل الاقتصاد العالمي، أصدر رئيس الوزراء الكندي السابق، مارك كارني، تحذيراً بأن ما وصفه بـ«يوم التحرير» الذي أعلن فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية على عدة دول، قد يكون البداية لنهاية الهيمنة الاقتصادية الأميركية، وانتهاء دور الولايات المتحدة كحليف تجاري موثوق به على الساحة الدولية.

هذه التصريحات ليست مجرد موقف سياسي عابر، بل تعبر عن تحولات عميقة في بنية الاقتصاد العالمي، تزداد تعقيداً مع تصاعد التوتر التجاري بين جارتين تتشاركان أطول حدود برية في العالم: كندا والولايات المتحدة.

أزمة التجارة العالمية في ظل التوترات الأميركية الكندية

الصراع التجاري بين واشنطن وأوتاوا وصل إلى ذروته بعد تبادل فرض رسوم جمركية متبادلة على السيارات، ما يمثل ذروة تصعيد قد ينعكس على اقتصادات البلدين وعلى سلاسل الإمداد العالمية، حيث أكد كارني، الذي شغل سابقاً رئاسة بنك كندا وبنك إنجلترا، ويتمتع بخبرات أكاديمية عميقة من جامعتي أكسفورد وهارفارد، في مؤتمر صحفي أن «نظام التجارة العالمي الذي كان قائماً على الولايات المتحدة قد انتهى»، في إشارة صريحة إلى أن حقبة سيطرة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي التي استمرت لما يقرب من ثمانين عاماً قد وصلت إلى نهايتها.

ورغم أن هذا التحول يطرح مأساة لمن يعتمد على الاقتصاد الأميركي كمحرك رئيسي، فإنه في الوقت نفسه يعكس واقعاً جديداً لا يمكن تجاهله أو مقاومته.

تتجاوز تحذيرات كارني، حدود كندا إلى الاقتصاد العالمي بأسره، و تحظى بتأييد من زعماء عالميين آخرين، بينهم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا، اللذين حذرا من أن هذه الحرب التجارية قد تتسبب في عواقب وخيمة على ملايين البشر وتزعزع النظام التجاري العالمي.

الولايات المتحدة وتأثيرها الكبير على الاقتصاد العالمي

لم تكن الهيمنة الأميركية مجرد ادعاء، بل واقع متجسد في أرقام وإحصائيات، فالولايات المتحدة ليست فقط أكبر اقتصاد في العالم، لكنها أيضاً أكبر مستهلك للسلع والخدمات، مما يجعلها لاعباً لا يمكن الاستغناء عنه في النظام الاقتصادي الدولي.

ففي عام 2023 وحده، استوردت الولايات المتحدة سلعاً بقيمة 3.17 تريليون دولار، وفقاً لبيانات منظمة التجارة العالمية، بالمقابل، تعتبر الصين، التي تعد ثاني أكبر اقتصاد عالمي، مصدراً صافياً للسلع، وهو ما يجعل الاقتصاد العالمي معتمداً بشكل كبير على الطلب الأميركي.

هذا الاعتماد الكبير يجعل أي سياسة حماية تجارية، مثل الرسوم الجمركية أو الحظر التجاري، تهدد بانهيار سلاسل الإمداد وتؤثر سلباً على اقتصادات العالم بأسره.

في هذا السياق، لم يتردد كارني في القول إن «سياسات ترامب قد تمزق الاقتصاد العالمي كما نعرفه»، في تحذير واضح من تداعيات استمرار هذه السياسات.

الدولار.. رمزية القوة الاقتصادية الأميركية في أزمة

لا يمكن الحديث عن اقتصاد أميركي قوي دون النظر إلى دور الدولار الأميركي كعملة الاحتياط الأولى في العالم، مع تراجع نسبة الاحتياطات بالدولار في الاحتياطيات الدولية إلى 58% في عام 2024، وهو أدنى مستوى لها منذ عقود، بدأت تتجلى مؤشرات على تراجع النفوذ الأميركي،حيث كانت هذه النسبة تبلغ 70% في عام 2000، مما يعكس تغيرات هيكلية قد تؤثر على مكانة الولايات المتحدة الاقتصادية.

بالإضافة إلى ذلك، قيمة التعاملات اليومية بالدولار تصل إلى 6.6 تريليون دولار، ما يجعل أي تحرك في سعر العملة الأميركية حدثاً ذا تأثير عالمي،و هذا يشمل أسعار السلع الأساسية مثل النفط والذهب، اللذين يتم تسعيرهما بالدولار، وأيضاً ثقة المستثمرين الأجانب التي تعتمد بشكل كبير على قوة الدولار ومكانة الاقتصاد الأميركي.

مساعي التهدئة بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر

في محاولة لتفادي انهيار النظام الاقتصادي العالمي، من المقرر أن يلتقي مسؤولون أميركيون وصينيون رفيعو المستوى بحر هذا الأسبوع في لندن، في ظل تحذيرات متزايدة من أن استمرار الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم قد يؤدي إلى تداعيات كارثية على النمو العالمي والاستقرار المالي، تعكس هذه المحادثات مدى القلق الدولي من التوترات الاقتصادية المتصاعدة، ورغبة الجميع في الحفاظ على نظام تجاري دولي يعمل بفعالية، رغم التحديات التي تفرضها السياسات الحمائية الجديدة.

التحذيرات التي أطلقها مارك كارني ليست فقط صدى لتوترات تجارية بين دولتين، بل هي جرس إنذار يُنبّه إلى أن نظام الاقتصاد العالمي كما عرفناه لعقود قد يشهد تحولات جذرية تعيد رسم خريطة النفوذ الاقتصادي والسياسي في المستقبل القريب.

و في ظل هذا الواقع الجديد، سيكون العالم أمام تحدٍ مزدوج: كيف يتعامل مع تراجع الهيمنة الأميركية من جهة، وكيف يبني نظاماً تجارياً دولياً أكثر استدامة وتوازناً من جهة أخرى؟ الوقت وحده كفيل بالكشف عن نتائج هذا التحول العميق، وسط حالة من الترقب والقلق على حد سواء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى