
بقلم بثينة المكودي
في واحدة من أكثر القضايا القضائية إثارة للجدل بجنوب المغرب، مثلت محاكمة مصطفى بودرقة، النائب الأول لرئيس جماعة أكادير، أمام المحكمة الابتدائية للمدينة، امتدادا لمسلسل قضائي تتقاطع فيه خيوط المال والنفوذ، وتطرح أسئلة محرجة حول الشفافية والمساءلة في تدبير الشأن العام.
غياب المتهم.. مجددا
للمرة الثانية على التوالي، تغيب بودرقة عن جلسة المحكمة التي انعقدت اليوم، الإثنين 10 يونيو الجاري، رغم توجيه استدعاءات رسمية. هذا الغياب أثار استياء هيئة دفاع الطرف المدني، التي طالبت بتفعيل المقتضيات القانونية ضد المتهم، وذهبت حد المطالبة بمنع دفاعه من الترافع ما دام موكلهم لا يحترم سلطة المحكمة.
غياب بودرقة عن جلسات الاستماع يبدو أنه لم يكن عرضيا، بل استمر منذ الجلسة السابقة التي كانت مبرمجة يوم 20 ماي، ما يعكس -وفق بعض المتابعين- نوعا من المماطلة قد يعطل مسار العدالة في هذا الملف.
قضية تتجاوز حدود المال
القضية التي يُتابع فيها بودرقة تعود إلى شكاية تقدم بها مستثمر مغربي مقيم في أوروبا، كان قد دخل في شراكة مع بودرقة لتنفيذ مشروع عقاري يضم فيلات راقية على شاطئ أكلو بإقليم تزنيت، غير أن ما بدأ بشراكة تجارية سرعان ما تحول إلى نزاع قضائي، بعد أن اتهم المستثمر بودرقة بالاستيلاء على المشروع بأكمله وبيع أجزاء منه وتأجيرها والاستفادة من عائداتها دون وجه حق.
وتفيد المعطيات الأولية أن القيمة الإجمالية لما تم التلاعب به تصل إلى حوالي 24 مليار سنتيم، وهو رقم ضخم يسلط الضوء على حجم القضية وخطورتها، خاصة وأن المعني بها يتقلد منصبا منتخبا في إحدى أكبر جماعات المغرب.
قرارات قضائية حازمة
رغم الغياب المتكرر للمتهم، فإن القضاء لم يقف مكتوف اليدين. إذ سبق لقاضي التحقيق أن أصدر قرارا بالحجز على مجموعة من ممتلكات بودرقة، بما في ذلك فيلا فاخرة بحي راق بأكادير، ومنزل بالمارينا، إضافة إلى أراض مسجلة باسمه.
كما شرع في تتبع التحويلات المالية المرتبطة بالمشروع موضوع النزاع، لتحديد حجم الأرباح المحققة ومآلها، في خطوة تهدف إلى ضمان حقوق المشتكي واسترجاع الأموال المفترضة.
بين السياسة والقضاء
اللافت في هذه القضية، ليس فقط المبلغ المالي الضخم ولا تعقيد الملف العقاري، بل موقع بودرقة نفسه داخل الخارطة السياسية للمدينة، فهو ليس مجرد فاعل اقتصادي، بل النائب الأول لعزيز أخنوش، رئيس جماعة أكادير، ما جعل العديد من المراقبين يربطون بين بطء المسطرة القضائية ونفوذ سياسي محتمل.
مع ذلك، فإن استمرار المحاكمة، واتخاذ قرارات مثل الحجز على الأملاك، يعكسان في نظر البعض وجود إرادة حقيقية لدى القضاء لمباشرة هذا الملف بحزم، بصرف النظر عن الخلفيات السياسية.
الجلسة المقبلة.. اختبار للمصداقية
من المرتقب أن تنعقد الجلسة المقبلة بتاريخ 1 يوليوز المقبل ، وسط ترقب واسع من الرأي العام المحلي والوطني، فإما أن يمثل بودرقة أمام المحكمة، وتبدأ مرحلة جديدة من التحقيقات العلنية، أو يستمر مسلسل الغياب، ما قد يُفقد القضية زخمها، ويفتح المجال أمام التأويلات..
وجدير بالذكر أن قضية مصطفى بودرقة تشكل لحظة اختبار حقيقية لجدية الدولة في محاربة الفساد، خاصة حين يتورط منتخبون في شبهات اختلاس أو خيانة أمانة، فبين ثقة المواطنين المهتزة في المؤسسات، والحاجة إلى مساءلة حقيقية لكل من يعبث بالمال العام أو يستغل نفوذه، تظل هذه القضية مرآة تعكس توازنات دقيقة بين القانون والسياسة.