
بينما يحتفل العالم في 23 يونيو من كل سنة باليوم الأممي للوظيفة العمومية، لم يكتف النقابيون في المغرب بترديد شعارات المناسبة، بل اختاروا أن يجعلوا منها مناسبة للمطالبة العاجلة بإصلاحات جوهرية، من شأنها إنصاف موظفات وموظفي القطاع العام، وتحقيق العدالة الأجرية والمهنية، وإرساء قواعد حكامة عمومية تتجاوز منطق الشعارات إلى واقع ملموس.
جاء ذلك في بلاغ صادر عن النقابة الوطنية لإصلاح الإدارة، التابعة للاتحاد المغربي للشغل، حيث ذكرت بالدور الحيوي للوظيفة العمومية في خدمة المواطنات والمواطنين، ومشددة على أن المرفق العام لا يمكن أن ينهض بأدواره ما لم يتم تثمين العنصر البشري، والاستثمار في الكفاءة، ومحاربة الزبونية والبيروقراطية.
البلاغ، الذي صدر تحت شعار “ضمان العدالة الأجرية والمهنية وإرساء نظام للحكامة العمومية ضرورة استراتيجية لتطوير السياسات العمومية والنهوض بأدوار المرفق العام”، لم يكتف بالإشادة بما تحقق، بل دعا الحكومة إلى الاعتراف الفعلي بمجهودات الموظفين العموميين، خصوصًا في القطاعات الحيوية، وعلى رأسها وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، معتبرًا أن التحول الرقمي والعدالة المجالية لن يتحققا إلا في ظل إدارة عمومية عادلة، شفافة، وخالية من منطق الامتيازات.
دعوة لتصحيح المسار وتثمين الكفاءات
في السياق ذاته، أكد البلاغ على ضرورة احترام مبدأ تكافؤ الفرص، ورفع الحيف عن فئات مهنية ما تزال تنتظر تسوية أوضاعها، من قبيل المساعدين الإداريين والتقنيين والمهندسين والمتصرفين. واعتبر أن “المقاربة التكنوقراطية” التي تهيمن على تدبير شؤون الموارد البشرية قد أنتجت حالة من التبخيس للكفاءات، أثرت سلبًا على أداء المرافق العمومية.
كما لم يغفل البلاغ الإشارة إلى ما وصفه بـ”العمل الهش”، وعلى رأسه نظام التعاقد الذي طالما أثار الجدل، واعتبرته النقابة سياسة فاشلة زادت من هشاشة الشغل داخل القطاع العمومي، بدل أن تقدم حلولًا للخصاص المزمن في الكفاءات.
من أجل إدارة قائمة على الكفاءة والمساءلة
ولم تكتف النقابة بتشخيص الأعطاب، بل قدمت حزمة من المطالب العاجلة، على رأسها: مأسسة الحوار الاجتماعي وتنفيذ مخرجاته، احترام الحريات النقابية والحق في الإضراب، تطوير التكوين المستمر، تعزيز الشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
كما دعت إلى إحداث آليات مؤسساتية جديدة، منها “مفتشية عامة للإدارة العمومية” تراقب مدى احترام مبادئ الحكامة المنصوص عليها في الدستور، و”هيئة عليا للحكامة العمومية” تسهر على تقييم السياسات العمومية بإشراك النقابيين والخبراء، فضلاً عن “مؤسسة وطنية” لتكوين أجيال جديدة من القيادات الإدارية.
من فلسطين إلى مكاتب المغرب: تضامن وشروط كرامة
كما عبّرت النقابة عن تضامنها مع كافة الموظفين والموظفات الذين يعانون من ويلات الحروب والنزاعات، وعلى رأسهم العاملون في المرافق العمومية بفلسطين المحتلة، مؤكدة أن كرامة الموظف هي من كرامة الوطن.
وفي الختام، وجه الاتحاد المغربي للشغل دعوة مفتوحة لكافة الفاعلين الوطنيين إلى توحيد الجهود دفاعا عن وظيفة عمومية وطنية، موحّدة، عادلة ومبنية على الاستحقاق، مشددة على أن مستقبل المرفق العام لن يُبنى إلا بالإنصاف، وبتمكين الإنسان الذي يوجد في قلب الإدارة، من شروط العيش الكريم، لا الخطابات الرنانة.