انحياز طبقي واضح..هل خوصصة التخييم التربوي تدخل حيز التنفيذ؟
في بلد ما زالت فيه الطفولة تبحث عن ظل شجرة، عن لحظة فرح بسيطة، عن نشيد جماعي يُغنّى تحت خيمة منصوبة فوق تراب الوطن… يُفاجَأ المغاربة بقرار يُهدد ما تبقى من هذه اللحظات.
25/06/2025
0
بقلم: بثينة المكودي
تحقيق…
ليس الأمر مجرد تفويت فضاءات، بل تفويت لذاكرة، لقيم، ولأحلام كانت تُصنع بعرق المتطوعين وبفرح الأطفال.
فمن يملك الحق في أن يُخصخص الفرح؟ ومن قرر أن يُحوِّل العطلة إلى امتياز طبقي؟
هنا تبدأ الحكاية.
في خطوة أثارت موجة من القلق في صفوف الفاعلين التربويين والجمعويين، باشرت الحكومة إجراءات جديدة لتفويت عدد من فضاءات التخييم الصيفي لفائدة مقاولات خاصة، في إطار ما وصفته بمسلسل تحديث العرض التربوي وتجويد الخدمات.
القرار يقصي جمعيات وطنية ذات امتداد شعبي
وفي سياق محاولتنا الكشف عن خلفيات القرار والخطاب، وجدنا من خلال التقصي، أن العديد من المهتمين يرون أن القرار يُقصي بشكل غير مباشر الجمعيات الوطنية ذات الامتداد الشعبي والتاريخ النضالي، والتي ظلت لسنوات تؤطر آلاف الأطفال خلال العطلة الصيفية، وفق تصور يربط الترفيه بالقيم والمواطنة.
تجدر الاشارة الى أنه وبالرغم من غياب إعلان رسمي واضح عن الجهة المباشرة التي اتخذت هذا القرار، إلا أن كل المؤشرات تُشير إلى أن وزارة الشباب والثقافة والتواصل قطاع الشباب، باعتبارها الجهة الوصية على التخييم، هي من دفعت بهذا التوجه في إطار ما تسميه “عقلنة التدبير وتحسين الخدمات”.
من تفويت بعض الخدمات لتفويت يشمل جوانب أعمق من عملية التخييم
نحن أمام وفق معطيات ومعلومات استقيناها من عدة تصريحات ومواقف، أن القرار يتدرج عبر جملة إجراءات، بدأ من تفويض بعض الخدمات الثانوية (كالنظافة والتغذية) إلى مقاولات خاصة، قبل أن يمتد النقاش إلى إمكانية توسيع هذا التفويض ليشمل جوانب أعمق من عملية التخييم، مما أثار مخاوف الجمعيات من أن يتحول دورها التربوي التاريخي إلى هامش رمزي داخل منظومة يطغى عليها منطق السوق.
وفي هذا السياق، حاولت “دابا بريس” التواصل مع محمد كليوين، رئيس الجامعة الوطنية للتخييم، من أجل طرح عدد من الأسئلة المرتبطة بموقف الجامعة من الموضوع، وما إن كانت قد استُشارت أو أُبلغت رسميًا بهذه التوجهات الجديدة، لكن دون أن نتلقى أي رد أو تفاعل، سواء عبر الهاتف أو تطبيق “واتساب”، إلى حدود كتابة هذه السطور.
“يشار في هذا الصدد، أن محمد كليوين انتخب رئيسا للجامعة الوطنية للتخييم، خلفا للراحل مصطفى نشيط،في بداية 2023، وذلك خلال الجمع العام الذي دعا له المجلس الإداري للجامعة في دورته الثانية بالرباط.
وحسب بلاغ للجامعة فقد جاء انتخاب محمد كليوين من طرف الجمع العام الذي صوت عليه بالإجماع، وكمرشح وحيد بعد انسحاب عضو المكتب الجامعي السابق صلاح الدين مبروم، وبعد تعديل القانون الأساسي ليسمح بالرفع من عدد أعضاء المكتب الجامعي الذي أصبح بموجب ذلك محصورا فيما بين 9 أعضاء و 35 عضوا”.
جدير بالذكر أن برنامج “العطلة للجميع”، الذي انطلق منذ سنوات، استفاد منه آلاف الأطفال المغاربة من مختلف الطبقات الاجتماعية ، تحت إشراف أطر تطوعية مكونة، في تجربة ربطت التخييم بالحق في التنشئة والتكوين غير الرسمي، وكرّست رؤية عمومية للعمل التربوي.
فدوى الرجواني
في سبيل مزيد من التدقيق في خلفيات هذا القرار، توجهنا للفاعلة الجمعوية فدوى الرجواني، حيث عبرت، عن هذا القلق من قرار تفويت التخييم التربوي في تدوينة نشرتها على صفحتها، جاء فيها:
“في زمن تتهاوى فيه القيم الجماعية الواحدة تلو الأخرى، وتزحف فيه قيم السوق على ما تبقى من مكتسبات الشعب المغربي، تطل علينا جريمة جديدة في حق الطفولة، وفي حق الذاكرة الجمعوية لهذا الوطن: تفويت فضاءات التخييم إلى القطاع الخاص، وتفويض تدبيرها إلى شركات ومقاولات، عوض إسنادها إلى الجمعيات الوطنية ذات الامتداد الشعبي والتاريخ النضالي المشهود..
صفقة يراد تصويرها على كونها مجرد خطوة تقنية في حين أنها قرار سياسي يعكس عمق الاختيارات الليبرالية المتوحشة التي لا ترى في الطفل سوى “زبون” محتمل، ولا تعترف بالحق في العطلة كحق إنساني، بل كخدمة مؤدى عنها، لا يستفيد منها إلا من استطاع إليها سبيلا..
وأضافت أن تفويت المخيمات الصيفية لصالح الخواص هو شكل من أشكال التنازل عن مسؤولية الدولة في حماية الحق في الترفيه والتنشئة، حيث ليس من المقبول أن يتحول الطفل المغربي إلى مجرد ‘زبون’ في سوق المتعة،الجمعيات الوطنية راكمت تجربة ومصداقية وأطر من رحم الأحياء الشعبية.. فكيف نهمشها لصالح منطق الربح؟”
هذا الموقف لم يكن معزولًا، إذ سارعت تنظيمات تربوية معروفة، مثل “حركة الطفولة الشعبية” و”جمعية الشعلة” و”لاميج”، إلى إصدار بيانات رافضة لما تعتبره “توجها نحو خصخصة تدريجية للمخيمات”، معتبرة أن فضاءات التخييم ليست فقط مرافق للترفيه، بل جزء من مشروع تنموي وتربوي متكامل.
وتساءل أحد مسؤولي الجمعيات الوطنية في تصريح لـ”الجريدة”:
“إذا تم تفويت الفضاءات وتسييرها بمنطق الربح، فأين سيلتحق أطفال الأحياء الشعبية الذين كانوا يجدون في المخيم فرصة نادرة للفرح والتنمية الذاتية؟”.
وللاشارة فإن الجدل القائم اليوم لا يتعلق فقط بإجراء إداري، بل برؤية شاملة لمكانة الطفل في السياسات العمومية، ودور الجمعيات في صناعة الأثر المجتمعي، وبين من يرى في القرار ضرورة لتطوير البنية التحتية وتحسين جودة الخدمات، ومن يراه تهديدًا للتوازن الاجتماعي، ليظل السؤال المطروح بإلحاح فصل صيف هذا العام، وباقي الفصول القادمة “من له الحق في الترفيه التربوي والاستمتاع بالصيف؟”، هل يتناسب خوصصة قطاع حيوي مع واقع الهشاشة والفقر الذي تعانيه غالبية الأسر المغربية؟ ومن له حقيقة مصلحة في هذه الخوصصة التي تزحف منذ سنوات على مختلف الخدمات العمومية، ولا يأتي معها الا مزيدا من الإقصاء والتفقير والتهميش؟