رفيقاتي، رفاقي، لنا لقاء حزين هذه الليلة
لنا يا رفاق لقاء غدا، كما كان لنا لقاء أول أمسٍ والعام الماضي
لنا لقاء بعد شهرٍ أو أكثر
لنا لقاء في الجنازة المقبلة ولنا موعدٌ في المأتم الذي سبق،
هذه الليلة، البلاغة انقرضت، والفصاحة أصبحت فقط من قلة الحياءْ، والجمل المتأدبة المتأنقة من قلة الأدبْ،
عزاؤنا واحدٌ ولا عزاءَ غير صرير الفَقْدِ ومواكب الرحيل.
مع كل موكبٍ جنائزي، رحيلُ تاريخٍ إلى كهوفِ النسيانِ السحيقة.
مع كل راحلة وراحل رحيلُ أجزاء منا، وإلى الأبد، كل مُفارِقٍ يفارق ببعض ملامحنا مسيرةً وأفراداً وجماعات، فنَمَّحي رويداً رويداً، ويسأل الرفيقُ الرفيقَ: – من الذي يخاطبنا في هذا المأتمِ؟ من ذا الذي صوتهُ وحركاتهُ ليست غريبةً؟
-من ذلك الآخر، ذو القسمات المألوفةِ، ربما كان كثير الابتسام، أو سريع التجهم أو كثير السجال؟ هل تذكرين تدخلاته، الطويلة المملة وتحاليله الذكية في اللجنة المركزية الخامسة، وكل الاجتماعات التي نسيت؟
-سيرتهُ تسير على طرف اللسان وتمشي إلى هذا المدى الغامض للنسيان. كذكرى بسمتهِ وغضبهِ والدمعتان، وسيرتنا شظايا تمحي…..
لنا يا رفيقات ويا رفاق، أيها الحضور الكريمُ لقاءٌ مع سامية عباد الأندلسي. كانت أساساً راسخاً وعِماداً ثابتا وقوراً متواضعاً يسند بنياننا هذا الذي ابتدأت تباشير جرأته وإقدامه ورومانسياته وأخطائه الصغرى وخطاياه منذ مارس 1965 واستمرت تصنعنا وتصنع تاريخاً يساريا في الدار البيضاء وفاس ومراكش والجزائر وفرنسا وأنوال ولالا الياقوت وإقامة زنقة آكادير والمحمدية.
كانت معنا فقط رفيقتنا، بلكنتها الخاصة وصمتها الحكيم حين يحتدم اللجاج. كثيرا ما قرأنا عتابها لاذعا لنا وحدسنا نقدها متبرماً حزيناً في نظراتها. لم تقل قطُّ كلمةً جارحةً ولم تنهرْ أحداً.
تذهبين، رفيقتنا السامية ويذهب معك بعضٌ من أحسن ما فينا.
تذهبين والذاكرة تتوهن وينفضُّ أصحاب الأمر، الذين حضروا هذه الليلة، والذين لم يتمكنوا من الحضور، ينفضون في انتظار جنازةٍ أخرى، وتاريخنا تذروه رياح النسيان والضياع البطيء رغم أنه فقط أمانة. لكننا ، ربما، لسنا أهلا لهذه الأمانة، ولا أستثني منا أحداً، ربما أننا لسنا أهلا لهذه الأمانة لأن تبليغها أهم من أحكام المقاهي وحسابات المجموعات الصغيرة والهجاء البناء (؟)، كما تعودنا عليه.
معذرةً إن أنا نكأتُ جرحاً أو خرجت عن النصّْ.
لكنها غُصَّتي.
عزاؤنا واحدٌ في الرفيقة السامية الراحلة والرفاق الذين سبقوا والقادمين.
عزاؤنا واحدٌ في الأمانة
عزاؤنا في الغُصَّة.