حين يتوجه المواطن المغربي، صباحا، إلى إحدى الإدارات العمومية لقضاء شأن بسيط، سرعان ما يجد نفسه أمام أبواب مفتوحة ومكاتب موصدة، وكأن الساعة لم تدق بعد.
بعض المقاعد خاوية، والبعض الآخر محتل من طرف موظف يتهيأ لتناول فطوره، فيما يُخيّل للزائر أن الزمن الإداري لا يبدأ إلا بعد العاشرة، وربما لا يبدأ أبدًا.
الإدارة المغربية ، التي يفترض أن تكون في خدمة المواطن، تحولت في كثير من الحالات إلى متاهة بيروقراطية يضيع فيها الوقت والعقل، ويضطر معها المواطن إلى تعطيل أشغاله، والعودة مرات متكررة، فقط لأن الموظف “مازال مجاش”، أو لأنه “خرج يشرب القهوة”، أو ببساطة لأنه لا يشعر بأي حرج من التأخر، في غياب آليات صارمة للمراقبة والمحاسبة.
كيف نزرع الثقة في إدارة يغيب موظفوها عن مكاتبهم في الساعات الأولى؟
هذا التسيب الإداري لا يمس فقط صورة الإدارة، بل يضرب في العمق أحد أهم مرتكزات الدولة الحديثة: الثقة. كيف نزرع الثقة في إدارة يغيب موظفوها عن مكاتبهم في الساعات الأولى؟ كيف نحفّز الاستثمار، ونقنع شبابًا بالثقة في المؤسسات، إذا كانت الوثيقة البسيطة لا تُنجز إلا بعد جهد جهيد وانتظار طويل وتوسل مذل؟
المشكل ليس في “الإنسان” المغربي، بل في منظومة تحمي الفوضى وتكافئ التقاعس، لا رقابة حقيقية، لا ربط فعلي للمسؤولية بالمحاسبة، ولا حتى احترام لمقتضيات الوظيفة العمومية التي تحدد أوقات الحضور والانصراف بدقة.
ما الجدوى من التوقيت الإداري إذا كان تنفيذه اختياريًا؟ ما جدوى الخطابات الرسمية عن تجويد الخدمة العمومية إن كانت الطوابير ما تزال تمتد في الممرات، بسبب غياب أصحاب “الطابع والخاتم”؟
الإدارة ليست مكانا لتمضية الوقت، بل فضاء لخدمة الناس
وفي زمن الرقمنة، لا تزال الإدارة المغربية تحتفظ بجانبها “الورقي” العنيد، الذي لا يتحرك إلا حين يحضر “فلان”، أو يوقع “علان”، وكأننا لا زلنا في العهد الذي تُقضى فيه الأمور بالمعارف والنفوذ لا بالقانون والمساطر.
القطاع العام يحتاج إلى رجّة، لا مجرد إصلاحات تجميلية، فالإدارة ليست مكانا لتمضية الوقت، بل فضاء لخدمة الناس، والمواطن الذي يؤدي الضرائب ويقف في الطوابير يستحق الاحترام، لا الإهانة المؤجلة بمزاج موظف تغيب عنه الروح المهنية.
فإلى متى ستبقى الإدارة المغربية رهينة للتقاعس والغياب والبيروقراطية؟ ومن يجرؤ أخيرًا على كسر هذه الحلقة الجهنمية؟