ميديا و أونلاين
دراسة: الجزائر الأن بنصف انتصار للمحتجين في بلد يحسن نظامه المناورة لإبقائه في حالة انتقال دائم
لم تعش الجزائر مثل هذه الاحتجاجات منذ تسعينيات القرن الماضي، لا من حيث حجمها ولا طبيعتها السلمية التي فاجأت الكثيرين داخل البلاد وخارجها، بل كونها حركة بلا قيادة وبدأت بمواطنين عاديين استجابةً لدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي، وانضمت إليها فيما بعد، الحركات الطلابية والمعلمون والمحامون ورجال القانون والقضاء والأطباء والموظفون العموميون والعاملون بمجال البترول، هكذا افتتحت داليا غانم، المحللة السياسية الجزائرية، مقالا لها على صحيفة “نيويورك تايمز” ، مضيفة، أن الاحتجاجات إذا كانت قد فرضت على بوتفليقة أن لا يترشح لولاية خامسة، فإنها لم تضع حدا لسيطرة الجيش على الحياة السياسية، وعلى النظام السياسي الجزائري.
وأشارت، الباحثة الجزائرية، أن هذه الاحتجاجات النوعية، انضم إليها قدامى المحاربين الذين كانوا تاريخياً موالين للنظام، وقدَّم بعض القادة والبرلمانيين المهمين استقالتهم من حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، وانضمت أحزاب المعارضة المنقسمة والمهمشة إلى المظاهرات، وبالرغم من احتفالات الجزائريين بورود تلك الأنباء التي أعلنت عدم ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، إلا أن تلك الاحتفالات ظلت مشوبة بالحذر والاحتياط.
وأضافت المحللة السياسية الجزائرية، أن سخافة ترشح بوتفليقة، هي منسجمة مع طبيعة الدولة ذاتها، إذ ترشح رجلا طاعنا في السن يأتي في إطار بنية معقدة للغاية تتشابك فيها شبكات متداخلة ومعقدة مؤلفة من مصالح متباينة وولاءات خاضعة دوما للتغيير.
تقدم الباحثة الجزائرية في مقالها المنشور في صحيفة “نيوريوك تايمز”، تفسيرات لأسباب هيمنة الجيش على النظام الجزائري، فتقول، إنه وبعد حرب التحرير الجزائرية والتي كانت طليعتها وقائدتها جبهة التحرير الوطني الجزائري وجناحها العسكري وجيش التحرير الوطني، أصبح الجناح العسكري هو بالضبط الجيش الجزائري، إن هذه الشرعية تقول الكاتبة، المنبثقة من الكفاح المسلح، الذي خيض من أجل تحرير الجزائر، جعل الجيش الوطني، يحتل موقع “الكاردينال” المهيمن والمسيطر على السلطة، ومن تم صار من الصعب فصل الجيش عن الجهاز السياسي، الجيش تضيف الباحثة الجزائرية، يحكم حتى وإن لم يظهر حاكما، أو حتى لو لم يكن حاكما، هو على قمة هرم السلطة الجزائرية، التي تتشكل من مسؤولي الدولة ورجال الأعمال الأباطرة، ممن تربطهم صلات عائلية، أو حتى إقليمية، بحسب تعبير الباحثة.
تشير المحللة، داليا في المقال نفسه أنه ومنذ استقلال الجزائر في سنة 1962، ظلت المحسوبية والفساد أداتين متلازمتين لهذا النموذج من الحكم، وتستطرد، قائلة : “لقد تحول النظام من الاستبداد الصريح إلى مزيج هجين، بدأ ذلك في عام 1995، عندما أعاد العملية الدستورية للبلاد، وبقي الحكام يحافظون على سيطرتهم باستخدام التكتيكات السياسية والإصلاحات الدستورية”.
تؤكد داليا في مقالها، أن النظام الجزائري بات يملك قدرة على توزيع الموارد الاقتصادية والسياسية، ويحسن اختيار التوقيت لذلك، مما ليس فقط عزز شرعيته، ولكن منحه كثير من القوة ليعيق التعبئة ويهزم القوة المعارضة، من هذه الزاوية قيمت الباحثة في المقال نفسه، إعلان بوتفليقة عدم الترشح لولاية خامسة، كونها تمنحه مزيد من القدرة على المناورة، لكن الجديد اليوم، أن الشعب يدرك ذلك.
خلاصة المقال المنشور في صحيفة “نيوريوك تايمز”، أن ما جرى لحد الأن هو نصف انتصار للجزائريين، ذلك أن النخبة من وجهة نظر الكاتبة، السياسية والاقتصادية والعسكرية والبيروقراطية ستستمر في السيطرة على الدولة، حتى يظهر مرشح رئاسي آخر يحظى برضا الجماهير، وحتى عندما سيظهر هذا المرشح سيبقى منتجا لنظام تمكن من أن يبقي الجزائر في حالة انتقال دائم.