
في مشهد يعكس عمق الأزمة التي باتت تطرق أبواب المدن المغربية الكبرى دون استئذان، تحولت شوارع حي الولفة بالدارالبيضاء مساء أمس، إلى ساحة مواجهات عنيفة بين عدد من المهاجرين غير النظاميين المنحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء،حيث خلفت الاشتباكات ذعراً واسعاً في صفوف الساكنة، وخسائر مادية لم تسلم منها حتى المحلات التجارية ولا سيارات المواطنين، وكأنّنا في قلب فوضى لاجئين بلا خيام ولا حلول.
مشهد متكرر في غياب سياسة اندماج واضحة
ليست هذه المرة الأولى التي تشهد فيها العاصمة الاقتصادية أحداثاً مشابهة، لكن المؤلم أن تتكرر الصور ذاتها: مهاجرون على هامش المجتمع، يعيشون في ظروف قاسية وغير إنسانية، وساكنة محلية تشعر بالتهميش والخوف من تحول أحيائهم إلى بؤر توتر دائم، فالفشل ليس في الاحتواء فقط، بل في غياب سياسات اجتماعية شاملة تراعي هشاشة الطرفين: المهاجر والساكن المحلي.
من الأرقام ما يُفهم… ومن الواقع ما يُؤلم
وفق تقرير المندوبية السامية للتخطيط لعام 2023، فإن المغرب يحتضن قرابة 120 ألف مهاجر غير نظامي، يشكّل المنحدرون من دول إفريقيا جنوب الصحراء نسبة كبيرة منهم، ومع غياب برامج فعالة للإدماج والتكوين المهني والإيواء، يتحول عدد لا يُستهان به من هؤلاء المهاجرين إلى “أشباح” في الهامش: يعيشون في العراء، يشتغلون في السوق السوداء، ويتعرضون يومياً للتمييز، أو يتورطون في صدامات مأساوية مثل ما حدث في الولفة.
المواطن المغربي بين مطرقة الأزمة الاقتصادية وسندان الأمن الهش
ليس خافياً أن المواطن المغربي، بدوره، يئن تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة. ففي تقرير صادر عن بنك المغرب في منتصف سنة 2024، أُشير إلى أن نسبة البطالة وصلت إلى 13.5%، وأن القدرة الشرائية للأسر تراجعت بنسبة 8.2% خلال العامين الأخيرين، وفي أحياء شعبية مثل الولفة، يُنظر إلى المهاجر كمنافس على فرص العمل الشحيحة أصلاً، بل وأحياناً كتهديد مباشر للأمن الشخصي.
ومن هنا، تتغذى مشاعر العداء والعنصرية، لا بسبب الكراهية المجانية، بل لأن الدولة فشلت في تطويق الأزمة بمقاربة عادلة ومنصفة للطرفين.
أين الدولة من كل هذا؟
المقاربة الأمنية ليست حلاً. نعم، فتحت السلطات الأمنية تحقيقاً، ونُشرت دوريات إضافية لتأمين الحي، لكن أين كانت الدولة قبل اندلاع الشرارة؟ أين وزارة الإدماج الاقتصادي، وأين المبادرات التي وُعد بها في الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء؟ هل أضحى الأمن وحده هو الأداة الوحيدة لإخماد نار اجتماعية قادمة من تحت الرماد؟
تعهد المغرب في عام 2014، بسياسة هجرة “إنسانية وشاملة”، وجرى تسوية أوضاع آلاف المهاجرين، لكن سرعان ما تبخّرت تلك الوعود، وانقلبت على عقبيها، وها نحن اليوم أمام حصيلة فشل، تتحمل الدولة جزءاً كبيراً منها، في ظل غياب برامج حقيقية لإدماج المهاجرين، وتوفير السكن اللائق، وتعميم تعليم اللغة العربية والفرنسية، وتوفير فرص تكوين وتشغيل، بدل تركهم عرضة للبطالة والتهميش.
حين تصبح الولفة مرآة لمغرب مأزوم
ما وقع في حي الولفة هو أكثر من شجار، هو مرآة مشروخة تعكس أزمة إدارة التعددية والاختلاف في المغرب، هو نتيجة فشل مركّب في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، مواجهة لا يجب اختزالها في “المهاجر المعتدي” و”المواطن الضحية”، بل في فوضى الدولة الغائبة.
ساخرون… لكن بمرارة
كمهاجر غير نظامي في المغرب، يكفيك أن تكون قادماً من جنوب الصحراء لتُعامل كمشكلة متحركة، وكمواطن مغربي بسيط، يكفيك أن تعيش في حي شعبي لتشعر بأنك تُركت تواجه الأزمات وحدك، وفي المنتصف، دولة تقف بربطة عنق في المؤتمرات الدولية، وتتحدث عن “الريادة في سياسات الهجرة”.