الرئسيةثقافة وفنون

عائشة لا تستطيع الطيران: رحلة فنية وإنسانية تتوَّج بجائزة فيبرسي

يواصل الفيلم السوداني-المصري المشترك “عائشة لا تستطيع الطيران” تألقه على الساحة السينمائية الدولية، بعد أن حصد جائزة فيبرسي المرموقة في المسابقة الإقليمية لمهرجان يريفان السينمائي الدولي المعروف بـ”جولدن أبريكوت”، ويأتي هذا الفوز ليؤكد مكانة الفيلم كواحد من أبرز الأعمال الإنسانية الجريئة التي تُسلط الضوء على واقع الهجرة واللجوء في المنطقة.

عرض عالمي أول في “كان”… وإشعاع متواصل من فينيسيا إلى البحر الأحمر

حضي الفيلم بعرضه العالمي الأول في مهرجان كان السينمائي الدولي، حيث لفت الانتباه بجرأته البصرية والموضوعية، ثم تواصل حضوره الوازن في عدة تظاهرات سينمائية كبرى، منها مهرجان ديربان بجنوب إفريقيا، فينيسيا بإيطاليا، ومهرجان البحر الأحمر بالسعودية، كما استفاد من دعم ورش تطوير مرموقة مثل ورشات أطلس بمهرجان مراكش، ومؤسسة الدوحة للأفلام و”المورد الثقافي”، إلى جانب مهرجان الجونة.

قصة واقعية بنَفَس شعري: بين القاهرة والخذلان

يروي الفيلم قصة عائشة، مهاجرة سودانية شابة تعيش في إحدى ضواحي القاهرة الشعبية، حيث تواجه ضغوط الحياة اليومية والعنف الرمزي والفعلي للعصابات المحلية، فعائشة لا تحلم بالهروب فقط، بل بالتحليق بعيدًا، حرفيًا، وهو ما يعكسه عنوان الفيلم الذي يكشف منذ البداية عن مفارقة مؤلمة: إنها تريد الطيران، لكنها لا تستطيع.

في تصريح للمخرج مراد مصطفى، قال: “أردت أن أقدّم بطلة غير نمطية، شابة أفريقية مهاجرة تواجه القمع بهدوء داخلي وكرامة صلبة.


الفيلم ليس عن الهجرة فقط، بل عن الرغبة في التحرّر وسط عالم خانق.”

إنتاج دولي وطاقم إبداعي متنوع

يُعد الفيلم ثمرة تعاون إنتاجي بين ثمان دول عربية وأوروبية، في مقدمتها مصر و فرنسا و ألمانيا، وقطر، هذا و شارك في صناعته أسماء وازنة خلف الكواليس، من أبرزهم مدير التصوير المصري عبدالسلام موسى، الذي قدّم لقطات شاعرية متناقضة بين ضيق المساحة وامتداد الحلم، إضافة إلى المونتيرة هبة عثمان التي منحت للفيلم إيقاعًا داخليًا يوازن بين التوتر والسكينة.

تقول المنتجة المشاركة هالة جلال: “كان من المهم بالنسبة لنا أن يكون الفيلم صوتًا للمهمّشين، لا بوصفهم ضحايا فقط، بل كأفراد لهم أحلام معقّدة، تمامًا كأي إنسان آخر، و اضافت مكننا دعم المؤسسات الثقافية للفيلم من الحفاظ على حساسيته وصدقه.”

تحليل نقدي: لغة بصرية مكثفة وصوت سياسي هادئ

يمتاز “عائشة لا تستطيع الطيران” بلغة سينمائية شاعرية رغم واقعيته القاسية، فهو لا يستسلم لرمزية ثقيلة، بل يراهن على التفاصيل الصغيرة: النظرات، الصمت، وزوايا التصوير الضيقة التي تعكس الاختناق.. الكاميرا تُعامل البطلة برهافة وحنان، دون أن تقع في فخ الشفقة، ومن خلال سيناريو مكثف، تنكشف مفارقات المدينة الكبرى التي تحتضن الجميع وتلفظهم في الوقت ذاته.

اعتبر النقاد الذين تابعوا الفيلم في مهرجان يريفان، أن منحه جائزة فيبرسي كان اعترافًا بقدرته على التعبير عن اللامرئي في الهجرة: الوحدة و الخوف و العنف البطيء الذي يستهلك الروح.

كما رأى البعض أن الفيلم يشكل امتدادًا لتيار سينمائي عربي جديد، يُعلي من قيمة السينما السياسية الهادئة.

الممثلة الرئيسية: وجه جديد يروي صوت المهاجرين

لعبت دور “عائشة” في الفيلم الممثلة الشابة سارة عبد الرحمن، وهي فنانة سودانية تحمل تجربتها الشخصية في الانتقال بين بيئات مختلفة، ما أضفى على أداءها صدقًا وتأثيرًا عميقًا.

في هذا السياق، تحدثت سارة في لقاء صحفي قائلة: “عشت معاناة التنقل والاغتراب، ووجدت في شخصية عائشة انعكاسًا حقيقيًا لمعاناة الكثير من الفتيات السودانيات في المهجر، لقد كان العمل على هذا الفيلم تجربة تحررية وصادقة، إذ لم نرغب فقط في تمثيل قصة، بل في نقل نبض حياة حقيقية.”

تأتي شخصية “عائشة” لتجسد واقع آلاف المهاجرين السودانيين الذين يعانون من غياب الدعم الاجتماعي والرعاية القانونية في مصر، فضلاً عن التمييز والتحديات اليومية في المدن الكبيرة.

و يركز الفيلم على الطبقات الشعبية والبيئات الحضرية المكتظة، ما يعكس حالة هشاشة اجتماعية متزايدة، ويجسد الصراع بين الطموح والإكراهات الاقتصادية والسياسية.

نحو مزيد من التوهج العربي في السينما العالمية

في وقت تتصاعد فيه أصوات السينما العربية في المحافل الدولية، يأتي “عائشة لا تستطيع الطيران” ليبرهن على أن الأعمال الصغيرة من حيث الميزانية يمكن أن تكون كبيرة من حيث التأثير، إذا ما امتلكت رؤية إنسانية صادقة وأدوات فنية ناضجة.

فاز الفيلم بعدة جوائز، لكنه قبل كل شيء، كسب مكانته في قلوب جمهور يبحث عن قصص لم تُرو بعد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى