الرئسيةسياسة

صفقة تضارب مصالح بامتياز في تحلية المياه البحر بالدارالبيضاء و لحلو يعلق

صفقة أعلنت تخليها عن الدعم العمومي، لكنها حصدت حزمة كاملة من الامتيازات، فوق ذلك قامت على استغلال موارد طبيعية مجانية.

في صفقة أقلّ ما توصف به أنها مدهشة حدّ الصدمة، تمكن تحالف يضم شركة مقرّبة من رئيس الحكومة عزيز أخنوش من الفوز بصفقة تحلية مياه الدار البيضاء، وسط ذهول حتى من داخل اللجنة التي كانت تقيّم العروض.

مصدر من داخل اللجنة أسرّ أن الحكام اضطروا للاتصال هاتفيا للتحقّق من السعر الذي قُدّم، بعد أن بدا لهم منخفضا بشكل غير معتاد، ولا يصدق.

ففي ردهات لجنة التحكيم التي أشرفت على تقييم عروض مشروع تحلية مياه الدار البيضاء خلال نهاية سنة 2024 وبداية سنة 2025، تعالت همسات غير معتادة، السعر المقترح من طرف تحالف يضم شركة مقربة من رئيس الحكومة عزيز أخنوش بدا مفاجئا إلى حد أن أعضاء من اللجنة رفعوا سماعة الهاتف للتأكد هل هذا الرقم حقيقي؟ أم أن هناك خطأ ما في العرض؟

جدير بالذكر أن الصفقة التي تقدر قيمتها بحوالي 6.5 مليار درهم، تمتد على 30 سنة (3 للبناء و27 للتشغيل)، وتعد جزءًا من الإستراتيجية الوطنية لتأمين الموارد المائية في ظل شح التساقطات لكن ما كشفته الوثائق اللاحقة لم يكن مجرد “سعر منخفض”، بل باقة كاملة من الامتيازات التي تثير أكثر من علامة استفهام حول شفافية الصفقة وتنافسيتها الاقتصادية، وتثير تساؤلات عميقة حول الشفافية، والجدوى الاقتصادية، وحماية المصلحة العامة أمام منطق الربح المضمون.

خفض الرسوم والضرائب.. لكن لمن؟

على الرغم من أن رئيس الحكومة عزيز أخنوش أكد، في 16  2024 دجنبر أمام النواب، أن مشروع محطة تحلية مياه الدار البيضاء، الذي يُقدر إجمالي استثماره بـ6.5 مليارات درهم، فإنه و ضمن الشروط التي ترافقت مع المشروع، تقرر خفض رسوم استيراد المعدات الخاصة بمحطة التحلية من 40% إلى 30% ليس هذا فحسب، بل استفادت الشركات التي تفوق أرباحها 100 مليون درهم من خفض ضريبي جديد، نزولًا من 30% إلى 20%، كما نزلت الضريبة من 35% إلى 20% لفائدة الشركات التي تبرم تعاقدات مع الدولة تفوق 1.5 مليار درهم.

كل هذه التخفيضات لا تشمل المقاولات الصغرى والمتوسطة، التي ما تزال تؤدي نفس المعدلات الضريبية دون دعم، رغم كونها تُشكّل أكثر من 90% من النسيج الاقتصادي الوطني.

عقد بـ30 سنة.. بسعر مضمون

العقد المبرم مع الحكومة يضمن شراء كل المياه المنتجة من محطة التحلية، ولمدة 30 سنة، وبسعر ثابت، لكن الأخطر أن الدولة تعهدت بتحمل تقلبات أسعار المواد الأولية، مما يعني أن الربح مضمون للمستثمر، في حين تتحمل الدولة الخسائر، في حال ارتفعت تكاليف الإنتاج.

تشغيل أوتوماتيكي.. دون مناصب شغل

رغم حديث الحكومة المتكرر عن تشجيع الاستثمار المولد لفرص الشغل، فإن محطة التحلية ستعمل بالكامل بشكل أوتوماتيكي، ما يعني عدم خلق أي منصب شغل مباشر أو غير مباشر، مقابل قرض ضخم يفوق 250 مليون أورو من الدولة الإسبانية.

من المستفيد الحقيقي؟ ومن يراقب؟

حسب مصادر متقاطعة، تضم الشركات المستفيدة من الصفقة أسماء مقربة من رئيس الحكومة، ما يطرح أسئلة حول تضارب المصالح، خاصة أن القرار بخفض الضرائب والرسوم واكبه سياق سياسي يُروج فيه رئيس الحكومة لخطاب “تشجيع الاستثمار”، دون أن يقدم أية ضمانات فعلية لحماية المال العام.

رأي الخبراء: صفقة مربحة.. لكن لمن؟

في اتصال مع خبير اقتصادي المهدي لحلو أستاذ التعليم العالي، ورئيس شرفي لجمعية العقد العالمي للماء، المغرب، وجهنا له السؤال التالي:

مارأيكم  في العقد المبرم مع الحكومة والشركات الفائزة بصفقة تحلية الماء الدار البيضاء الذي يضمن شراء كل المياه المنتجة من محطة التحلية، ولمدة 30 سنة، وبسعر ثابت، ويتضمن تعهّد الحكومة بتحمّل تقلبات أسعار المواد الأولية؟، وهل هذا يعني أن الربح مضمون للمستثمر، في حين تتحمّل الدولة الخسائر، في حال ارتفعت تكاليف الإنتاج؟

المهدي لحلو الخبير الاقتصادي و ورئيس شرفي لجمعية العقد العالمي للماء

قال مهدي لحلو جوابا على أسئلة لـ”دابابريس”:

إذا صحّ الاتفاق المبرم بين الحكومة والشركة الفائزة بصفقة بناء محطة تحلية مياه البحر بالدار البيضاء، والقاضي بتحديد ثمن الماء لمدة 30 سنة، فهذا يعني عمليًا أن الدولة ستؤمّن أرباح هذه الشركة  التي يمتلك جزءًا منها رئيس الحكومة الحالي  طيلة هذه المدة، وربما تضاعفها.

ويستند هذا التقدير إلى مجموعة اعتبارات، أبرزها أن الكلفة الأساسية لعمليات التحلية ترتبط أساسا بثمن الطاقة، والحال أن الطاقة التي ستعتمد عليها المحطة هي طاقة متجددة، ما يجعل سعرها مرشحا للانخفاض مع التطور التكنولوجي خلال السنوات المقبلة.

وأضاف لحلو أن باقي مكونات الكلفة  مثل ماء البحر المتاح مجانا، وكلفة اليد العاملة المحدودة بالنظر إلى قلة الأطر المشغّلة، والإهلاك السنوي” Taux d’amortissement” الذي يبقى ضعيفا لطبيعة الاستثمار طويل المدى، إضافة إلى الضرائب التي تعتبر شبه ثابتة أو قابلة للتراجع مع ارتفاع وتيرة الإنتاج، وخلص إلى أن تثبيت سعر الماء لثلاثة عقود متتالية يصبّ في صالح الشركة الخاصة وحدها، في غياب أي آلية واضحة لمراجعة الأسعار.

وتابع لحلو أن سقف العقد المحدد في ثلاثين سنة يحتاج إلى توضيحات، متسائلًا عن مبررات هذا الخيار ولماذا لم يتم اعتماد صيغة تراعي التحولات التقنية والاقتصادية المستقبلية، كما اعتبر أن صيغة دفتر التحملات، إذا صحت المعطيات المتداولة بشأنها، تجعل الحكومة تضمن للشركة المستفيدة أرباحًا مريحة، في غياب أي آلية لمراجعة الأسعار أو إعادة النظر فيها في المستقبل.

هذا وحذر من أن هذا المنطق قد يُكرّس كنموذج عام في باقي مشاريع التحلية بالمغرب.

وفي اتصال اخر  مع خبير في الاقتصاد العمومي، فضّل عدم ذكر اسمه، أكد أن “الصفقة، كما ظهرت تفاصيلها، نموذج صارخ لعقود PPP (شراكة الدولة والقطاع الخاص) غير المتوازنة”، مضيفًا أن “تحمل الدولة لتقلبات السوق وإبقاء الأسعار ثابتة لمدة 30 سنة يشكل مخاطرة غير مبررة في ظل أزمة المياه والمالية العمومية “.

غياب الشفافية.. وضحايا من الظل

التحقيق في وثائق الصفقة لم يُظهر نشر أي دراسة لتقييم الأثر الاجتماعي أو البيئي للمشروع، كما لم تُعرض تفاصيل خفض الضرائب للعموم، رغم ما تقتضيه مبادئ الشفافية والحق في الولوج إلى المعلومة.

خلاصة مفتوحة: هل الماء سلعة لمن يملك النفوذ؟

إذا كان الماء حقا عموميًا، فلماذا يتحوّل إلى صفقة مغلقة بين الدولة ورأسمال مقرب من مراكز القرار؟ من يضمن عدالة الاستفادة؟ وهل نحن بصدد ترسيخ نمط اقتصادي يربح فيه الكبار دومًا، بينما يكتفي الصغار بسداد الفاتورة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى