
إسرائيل تسير ضد الزمن: بداية العد التنازلي
عن “هآرتس” وترجمة “الأيام الفلسطنية”
في العام 2004 صاغ دوف فايسغلاس هدف خطة الانفصال باستعارة بدت له محكمة. “الخطة توفر الكمية المطلوبة من الفورمالين لمنع أي عملية سياسية مع الفلسطينيين”.
وقد أعلن فايسغلاس بصراحة عما أصبح في عهد بنيامين نتنياهو الأيديولوجيا الرسمية: الحفاظ على الوضع الراهن.
تفاخر نتنياهو بأنه اتفق مع الأميركيين على عدم التحدث عن إخلاء المستوطنات “إلى حين يصبح الفلسطينيون فنلنديين”.
سؤالان يفرضان نفسهما
هنا يتم طرح سؤالين: السؤال الأول هو هل أرادت إسرائيل حقاً أن يصبح الفلسطينيون فنلنديين، أم أنه كان من المريح لها أكثر أن يبقوا “غير فنلنديين”، من أجل تبرير غياب الحل وتقسيم البلاد؟
السؤال الثاني هو من الذي وعد إسرائيل بأنه في الوقت الذي تنتظر فيه ثورة الفلسطينيين الفنلندية، هي نفسها لن تتغير؟ من الذي جعلها تفترض بأنها لن تتشكل على صورة “شبيبة التلال” المتعجرفة والعنيفة؟
شاهدنا أحدهم، هذا الأسبوع، في فيلم من الضفة وهو يقف أمام أم فلسطينية بوجه يهودي متغطرس ويقوم بطردها مثل السيد القبيح الذي لا يمكن تخيل قبحه.
كيف لا يوجد ما يمكن فعله: كل غطرسة وتفوق تشبه الأخرى.
تصوير نتانياهو الصراع مع الفلسطنيين بأنه صراع بين الحضارة والبربرية تصطدم بالعدسات
يصف نتنياهو الصراع مع الفلسطينيين والحرب ضد “حماس” بأنه الصراع بين الحضارة والبربرية.
ولكن أمام العدسات فإن هذا التمييز يتلاشى. وجه “فتى التلال” ليس وجه حضارة، ووجه الأم الفلسطينية ليس وجه البربرية.
كل من يعتقد أننا فنلنديون ننتظر نضوج البرابرة يجب عليه النظر إلى وجه اليهودي الذي يظهر في الأفلام التي تأتي من “المناطق” والسؤال: هل هذا فنلندي؟ يتصرف نتنياهو وكأن الوقت لا يؤثر فينا، بل نحن الذين نؤثر فيه.
لدينا مئات السنين لانتظار أن يقوم الإسلام بإغلاق الفجوة. وفي غضون ذلك يمكننا مواصلة العمل من أجل بيتنا، وكأن الزمن توقف. ولكن هذا وهم خطير.
بالنسبة للحرب في غزة أيضا يخطئ نتنياهو عندما يعتقد أن الوقت يعمل لصالحه. فكلما مر الوقت منذ 7 أكتوبر فإن الفجوة تبرز أكثر بين قوة إسرائيل وبين البؤس في غزة.
كلما خسر الفلسطينيون، حيث تم قتلهم وتجويعهم وطردهم، فإنهم هكذا ينتصرون.
وكلما ضربت إسرائيل أكثر، فهي تكون مثل الأزعر الذي يضرب الجائعين والفقراء. في حضارتنا، ومن مثلنا يعرف ذلك، فإن الضحية هي سلاح الضعيف. التسويف في الوقت لا يؤدي إلى الانتصار، بل إلى الخسارة المتراكمة.
أيضا أمام الولايات المتحدة تسير عقارب الساعة إلى الوراء، كل البيض موجود في سلة ترامب. ولكن حتى لو افترضنا أن دونالد ترامب هو المسيح المخلص، فإنه في الولايات المتحدة توجد للمسيح فترة محدودة، 8 سنوات.
فقدت إسرائيل الشباب الديمقراطيين، والآن تبين أيضا أن جيل المستقبل من الجمهوريين يغير الاتجاه
سينتهي “الاحتفال” بعد ثلاث سنوات تقريبا. في هذه الأثناء فقدت إسرائيل الشباب الديمقراطيين، والآن تبين أيضا أن جيل المستقبل من الجمهوريين يغير الاتجاه.
لا يمكن إنكار أن الوقت يعمل لغير صالح المجتمع الإسرائيلي. ينتشر التفوق اليهودي، أما الفلسطيني فتم محوه وأصبح إنساناً منغلقاً بين قوسين: “صحافي”، “طبيب”، “جائع”، “بريء”، “شعب”. لا يصدق الإسرائيلي أي تصرف من تصرفات الفلسطينيين، باستثناء تصرف “المخرب”. هذه هي الكلمة الوحيدة التي هي غير موجودة بين قوسين في وعي الإسرائيليين.
مع ذلك، يستمر نتنياهو في تصميمه على الاعتقاد بأن الوقت يعمل لصالحه. فهو على قناعة، بذكائه الكبير، أنه يقوم “بتحسين المواقع”، ويدمر غزة، ويزرع الموت الجماعي، على أمل عقيم في إعادة النزاع إلى الفورمالين.
ولكن الفورمالين جيد فقط من اجل الحفاظ على الجثث، والحفاظ على الموت وليس الحياة.