
بعد سنتين كاملتين على الزلزال المدمر الذي ضرب إقليم الحوز وأقاليم مجاورة في شتنبر 2023، والذي خلف آلاف الضحايا وخسائر بشرية ومادية هائلة، لا تزال فصول المعاناة متواصلة، ففي الوقت الذي تبشر فيه السلطات العمومية ببلوغ نسبة إنجاز 91.33% من عملية إعادة بناء المنازل المنهارة بما يقارب 24 ألف مسكن، خرجت التنسيقية الوطنية لضحايا الزلزال إلى الشارع، لتدق ناقوس الخطر وتفضح ما تعتبره “اختلالات صارخة” في تدبير ملف التعويضات والدعم.
وقفة في قلب العاصمة: صوت الهامش يصل البرلمان
حج مئات المتضررين من أقاليم الحوز وتارودانت وشيشاوة إلى العاصمة الرباط صباح الاثنين 8 شتنبر 2025، في مسيرة لم تكن سهلة قطعوا خلالها مئات الكيلومترات..
علت الحناجر أمام مقر البرلمان، بشعارات تطالب بالإنصاف، ورفعت لافتات تتحدث بلغة الألم واليأس، تحت شعار كبير وموحد: “سنتان بعد الزلزال.. هل بهذه الحصيلة ننتظر تحقيق العدالة المجالية؟”
رسم المحتجون صورة قاتمة لواقع آلاف الأسر التي تعيش إلى اليوم في ظروف غير إنسانية، بين خيام مؤقتة ومساكن متهالكة، بينما يردد المسؤولون أرقاما براقة عن نسب الإنجاز و”المعايير التقنية العالية”.. و المفارقة الصادمة التي سلطت عليها الشعارات الضوء هي: كيف يمكن أن تصل نسبة إعادة البناء إلى أكثر من 90%، بينما لا تزال مئات العائلات تتحدث عن الإقصاء والتهميش وغياب الدعم؟
احتجاجات تطالب بالعدالة لا بالصدقات
هؤلاء المواطنون الذين قطعوا مئات الكيلومترات لم يأتوا ليتسولوا عطف الدولة، بل ليطالبوا بحساب عسير حول مليارات صرفت من صندوق خاص أُنشئ بمرسوم ملكي، وسُوّق للرأي العام باعتباره صمام أمان لإعادة الإعمار وضمان العدالة المجالية.. الصندوق الذي ضخّت فيه الدولة والملك مساهمات مالية ضخمة، وجُمعت فيه تبرعات واسعة من مواطنين، مقاولات، ومؤسسات عمومية، إضافة إلى دعم دول صديقة، بلغ حجمه وفق الأرقام الرسمية أزيد من 120 مليار درهم، موجهة لإعادة البناء، تأهيل البنيات التحتية، وتعويض الأسر المنكوبة. لكن على الأرض، الصورة أكثر تعقيداً.
اتهامات مباشرة للسلطات المحلية
في هذا السياق، يؤكد يوسف ديب، الكاتب العام للتنسيقية الوطنية لضحايا زلزال الحوز، أن “آلاف المستحقين أُقصوا بقرارات انتقائية من قبل بعض القياد وأعوان السلطة”، مضيفاً أن “الدعم وُجه أحياناً لأشخاص لا يملكون منازل أصلاً”. وهنا يصبح السؤال مشروعاً: أين ذهبت المليارات التي يفترض أن تضمن تكافؤ الفرص في الإعمار؟
و اعتبر ديب أن هذه المهزلة و الفوضى الإدارية لا يمكن فصلها عن غياب إرادة سياسية حقيقية لمعالجة الملف، مضيفا أن التنسيقية طرقت جميع أبواب الوزارات والهيئات المسؤولة على مدى سنتين دون جدوى، وكأن أصوات المتضررين غير مسموعة.. و الأخطر بحسبه أن الأمر يتعلق بمشروع ملكي وصندوق ساهم فيه الجميع”. وهنا يطرح السؤال الأشد مرارة: إذا كان مشروع ملكي لم يجد طريقه إلى عدالة حقيقية في التوزيع، فما مصير باقي المشاريع التنموية التي لا تجد صدى إعلامياً ولا سياسياً؟
السياسة في خلفية المشهد
ما يضاعف الاحتقان هو أن ملف الإعمار لم يعد مجرد قضية اجتماعية، بل تحول إلى ملف سياسي بامتياز.. الصندوق الاستثنائي، الذي رُوّج له كرمز للوحدة الوطنية والتضامن، صار اليوم موضوع تساؤلات حول الحكامة والشفافية.. أين هي آليات المراقبة البرلمانية؟ وأين تقارير المجلس الأعلى للحسابات؟ ولماذا صمتت الأحزاب السياسية عن المطالبة بكشف تفاصيل صرف هذه المليارات، فيما الشعب يسائل بلغة بسيطة: “من أخذ حقنا؟”.
فمن بين اللافتات التي حملها المحتجون، رسائل موجهة مباشرة إلى الحكومة: “أين ذهبت أموال الصندوق؟”، “نريد العدالة المجالية لا المحسوبية”، و”الزلزال كشف هشاشتنا، والإدارة عمقت جراحنا”. هذه الشعارات تلخص باختصار شعور الغبن الذي يطبع مواقف آلاف الضحايا الذين يعيشون على الهامش.
ما بين خطاب الدولة وصوت الضحايا
رسميا، تتحدث وزارة الداخلية عن انتهاء بناء 24 ألف مسكن وفق معايير تقنية عالية، وبلوغ نسبة إنجاز قاربت 92%.. لكن الميدان يحكي قصة أخرى: أسر ما زالت بلا مأوى، أطفال يدرسون في أقسام مؤقتة أو ينقطعون عن الدراسة، نساء وأرامل يواجهن البرد والحرمان، وشباب عاطلون فقدوا أراضيهم ومصادر رزقهم.
الأرقام هنا لا تنفي الواقع الملموس، بل تكشف الفجوة بين لغة التقارير الرسمية التي تُسوَّق في الإعلام، وبين الحقائق التي يحملها المتضررون في قصصهم اليومية.
سقط القناع…
الزلزال إذن لم يسقط المنازل فقط، بل عرّى أيضا هشاشة السياسات العمومية، وكشف أن الفجوة بين المركز والهامش ليست مجرد نقاش أكاديمي، بل واقع يعيشه الناس كل يوم، وبينما تواصل الأسر المتضررة نضالها من أجل السكن والكرامة، يبقى السؤال مفتوحا: من سيعيد بناء ثقة هؤلاء المواطنين في الدولة؟