
تستعد مدينة الناظور لاحتضان حدث فكري وثقافي ضمن فعاليات الدورة الرابعة عشرة للمهرجان الدولي للسينما والذاكرة المشتركة، الذي ينظمه مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم في الفترة ما بين 15 و21 نونبر 2025، تحت شعار “ذاكرة السلام”.
ويحتضن هذا الحدث ندوة دولية تنعقد يومي 16 و17 نونبر تحت عنوان “في ضرورة السلام: نحو عدالة انتقالية عالمية” ، تجمع نخبة من المفكرين والباحثين والحقوقيين والمبدعين لمناقشة العلاقة بين العدالة الانتقالية وبناء السلم المستدام.
عالم مضطرب.. وضرورة التفكير في سلم جديد
يشكّل السياق الدولي الراهن خلفية أساسية لانعقاد هذه الندوة، في زمن تتقاطع فيه الأزمات البنيوية والتحولات الكبرى التي تهدد استقرار الدول وتضع الديمقراطية والشرعية السياسية على المحك..
فالعالم يعيش على وقع حروب ممتدة وصراعات مزمنة، وصعود لأنماط جديدة من السلطوية، واتساع رقعة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، كما يواجه الإنسان المعاصر تحديات عابرة للحدود تشمل التغيرات المناخية، التهجير القسري، الإرهاب، والتطرف، إضافة إلى تراجع الثقة في المؤسسات الديمقراطية وتفشي الاستقطاب الإعلامي والرقمي.
وفي ظل هذا المشهد المضطرب، تبرز الحاجة الملحّة إلى حلول جديدة تتجاوز المقاربات الأمنية والتسويات السياسية السطحية، نحو مقاربة شاملة تستند إلى العدالة الانتقالية باعتبارها منهجية مركبة لمعالجة الماضي، وبناء مستقبل قائم على الاعتراف والمصالحة والكرامة الإنسانية.. فهذه العدالة، كما جاء في بلاغ مركز الذاكرة المشتركة، ليست مجرد أدوات إجرائية، بل مشروع قيمي يعيد الثقة بين الدولة والمجتمع ويحوّل الذاكرة الجماعية من سجل للآلام إلى رافعة لصناعة السلام.
العدالة الانتقالية.. من تجارب الماضي إلى أفق عالمي
ترتكز الندوة على تحليل التجارب العالمية في العدالة الانتقالية، بدءًا من جنوب إفريقيا ورواندا وأوروبا الشرقية إلى كولومبيا والأرجنتين والمغرب، لإبراز تنوع هذه التجارب واختلاف مقارباتها باختلاف السياقات السياسية والاجتماعية، مع وحدة الهدف في بناء مجتمعات أكثر عدلاً وسلمًا.
ويؤكد المنظمون أن العدالة الانتقالية لم تعد محصورة في الدول الخارجة من الصراع أو الأنظمة السلطوية، بل أصبحت منهجية قابلة للتوسيع نحو معالجة الأزمات العالمية المعاصرة، وجسرًا لبناء سلم عالمي يربط بين العدالة والديمقراطية والعيش المشترك.
الناظور.. مدينة الذاكرة والسينما
تنعقد هذه الندوة في إطار مهرجان سينمائي أصبح محطة دولية تجمع بين الفن والحقوق والفكر، فالمهرجان الدولي للسينما والذاكرة المشتركة بالناظور، الذي ينظمه مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم، يربط بين الثقافة البصرية والتأمل الحقوقي، ويجعل من السينما أداة لإعادة بناء الخيال الجماعي على أسس المصالحة والمساواة والكرامة.
وستعرف دورة هذه السنة تكريم المفكرة والشاعرة سعاد الصباح، اعترافًا بمسارها الثقافي والفكري الذي جمع بين الكلمة والشهادة على العصر، والنقد والالتزام من أجل قضايا المرأة والحرية والعدالة، هذا و يمنح هذا التكريم بعدًا رمزيًا خاصًا للندوة، باعتبار أن العدالة الانتقالية والثقافة وجهان لرهان واحد هو بناء السلم عبر الإبداع.
“ذاكرة من أجل الديمقراطية والسلم”.. الجائزة التي تكرّم القيم
كالعادة، ستفتتح فعاليات الدورة بتسليم الجائزة الدولية “ذاكرة من أجل الديمقراطية والسلم’، التي يمنحها المركز لشخصيات أو مبادرات ساهمت في ترسيخ قيم الحرية والكرامة والتعايش.. وتمثل هذه الجائزة لحظة رمزية لتكريس القيم التي يقوم عليها المهرجان والندوة على السواء، مؤكدة أن السلام ليس شعارًا ثقافيًا بل ممارسة إنسانية تُبنى بالاعتراف والعدالة.
أهداف الندوة ومحاورها
تهدف الندوة إلى بلورة رؤية فكرية وحقوقية حول الترابط بين العدالة الانتقالية وصناعة السلام، مع تقديم مقاربات مقارنة للتجارب الوطنية واستخلاص الدروس المشتركة، كما تسعى إلى إبراز دور الذاكرة والثقافة والفن – وخاصة السينما – في حفظ التجارب وتحويلها إلى موارد للمصالحة، وسيتم تخصيص محور خاص لدور النساء، سواء كضحايا لانتهاكات الماضي أو كفاعلات أساسيات في بناء السلام.
كما يتوج النقاش بصياغة “إعلان دولي للسلام والعدالة الانتقالية” ليكون وثيقة رمزية تؤكد أن العدالة شرط لبناء سلم عادل وتنمية مستدامة.
برنامج الجلسات
تنطلق الجلسة الافتتاحية في صباح 16 نونبر 2025، يليها نقاش أول حول “التجارب الوطنية في العدالة الانتقالية – دروس وعبر بأفق كوني” ، ثم جلسة تفاعلية بين المشاركين والخبراء.
وفي اليوم الثاني، تُخصص الجلسة الثانية لموضوع “العدالة الانتقالية كإطار لتوسيع آفاق السلام والعيش المشترك الإنساني” ، يليها لقاء مفتوح مع أعضاء لجان تحكيم الأفلام الوثائقية والمخرجين المشاركين في المهرجان.
وتُختتم الندوة بتقديم “إعلان الناظور للسلام والعدالة الانتقالية” كأحد أهم مخرجات الحدث.
نحو إعلان الناظور للسلام والعدالة الانتقالية
يتوخى المنظمون أن تسفر الندوة عن مجموعة من المخرجات العملية أبرزها إصدار إعلان عالمي للسلام والعدالة الانتقالية ،يؤكد أن كرامة الإنسان هي الشرط الأساسي للسلم المستدام، والتشديد على أن نجاح التجارب الوطنية في العدالة الانتقالية يشكّل قاعدة لبناء سلم عالمي قائم على الثقة والاحترام المتبادل، كما سيتم الإعلان عن إنشاء شبكة دولية للباحثين والخبراء في مجال العدالة الانتقالية والسلام، إلى جانب إطلاق منتدى عالمي سنوي للحوار والتبادل الأكاديمي والحقوقي في هذا المجال.
ذاكرة تنبض بالسلام
بهذه الندوة، تواصل الناظور تعزيز مكانتها كمدينة للذاكرة والسلام، تجمع بين الفكر والسينما والإبداع في أفق عالمي.
و يسعى مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم من خلال هذا الملتقى، إلى إعادة طرح سؤال السلام كضرورة إنسانية شاملة، تتجاوز الأوطان والجغرافيا، وتؤسس لعالم يعترف بالكرامة والعدالة كمدخلين أساسيين لبناء مستقبل مشترك أكثر إنصافًا وإنسانية.