ثقافة وفنون

رمضانيات: كتاب “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد”…الاستبداد جرثومة كل فساد

كثيرون اعتبروا عبدالرحمن الكواكبي كان ضحية قلمه الثائر، وكان كتابه الذي صدر له في القاهرة في طبعة أولى مطلع القرن العشرين “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” الذي شخص فيه علة الاستبداد السياسي وتأثيره على مختلف جوانب الحياة، سببا في موته عام 1902 متأثرا بسم شربه في فنجان قهوة قيل إنه شربها في مقهى توجد بالقاهرة اسمها يلدز، مكتوب على قبر عبدالرحمن الكواكبي بيتين نظمهما الشاعر المصري الكبير حافظ إبراهيم يقول فيهما: 

هنا رجل الدنيا مهبط التقى … هنا خير مظلوم هنا خير كاتب

قفوا اقرؤوا أم الكتاب وسلموا… عليه فهذا القبر قبر الكواكبي                                   

الاستبداد جرثومة كل فساد

 

يؤكد عبدالرحمن الكواكبي، أن الترقي بالمال والعلم له ما مايميزه عن باقي الترقيات إذ هو بمثابة تميز الرأس على باقي أعضاء الجسم، “فكما أن الرأس بإحرازه مركزية العقل، ومركزية أكثر الحواس تميز عن باقي الأعضاء واستخدامها في حاجاته”، كذلك هي الحكومات المنتظمة بترقي أفرادها وسوادها الأعظم في العلم والثروة، “فيكون لهم سلطتن طبيعي على الأفراد أو الأمم التي انحط بها الاستبداد المشؤوم إلى حضيض الجهل والفقر”.

تبلغ درجة الترقي منزلة في الكمالات بالخصال و بالأثرة، وفيه الترقي الذي يتعلق بالروح الذي تتجاوز الحياة أي بما وراء الحياة، “ويرقى إليه الإنسان على سلم الرحمة والحسنات، فهذه أبحاث طويلة الذيل ومنابعها حكميات الكتب السماوية، ومدونات الأخلاق، وتراجم مشاهير الأمم”.

وفي هذا النوع من الترقي، يبلغ الإنسان مرتبة يقيم فيها أهمية حياته بارتباطها بدرجات يهمه فيها: أولا حياة أمته، ومعها امتلاك حريته، ثم أمنه على شرفه، وعلى ماله، ويهمه فيها المحافظة على عائلته، ثم وقايته حياته، “وقد تشمل أحساسته عالم الإنسانية كله، كأن قومه البشر لاقبيلته، ووطنه الأرض لابلده، ومسكنه حيث يجد راحته، لايتقيد بجدران بيت مخصوص يستتر فيه ويفتخر به كما هو شأن الأسراء”.

فيها قد يترفع الإنسان بلغة الكواكبي عن الإمارة لارتباطها بمعنى الكبر، وعن التجارة لما تتسم به هذه الأخيرة من التمويه والتبذل، “فيرى الشرف في المحراث، ثم المطرقة، ثم القلم، ويرى اللذة في التجديد والاختراع، لا في المحافظة على العتيق، كأن له وظيفة في ترقي مجموع البشر”.

الأمم التي تنشرح لجدها بتبديد استبدادها، يقول الكواكبي في هذا السياق: “فهذه بلجيكا أبطلت التكاليف الأميرية برمتها، مكتفية في نفقاتها بنماء فوائد بنك الحكومة. وهذه سويسرة يصادفها كثيرا أن ايوجد في سجونها محبوس واحد، وهذه أمريكا أثرت حتى كادت تخرج الفضة من مقام النقد إلى مقام المتاع. وهذه اليابان أصبحت تستنزف قناطير الذهب من أوروبا وأمريكا ثمن امتيازات اختراعاتها وطبع تراجم مؤلفاتها”.

ويضيف في نفس الإطار أن هذه الأمم قد تنال حظا من الملذات الحقيقية، التي لايمكن أن يصلها فكر الأسراء، “كلذة العلم وتعليمه، ولذة المجد والحماية، ولذة الإثراء والبذل، ولذة إحراز الاحترام في القلوب، ولذة نفوذ الرأي الصائب، ولذة الحب الطاهر، إلى غير هذه من الملذات الروحية”. في حين تكون ملذات الأسراء مكتفية على مشاركة الوحوش “الضاربة في المطاعم والمشارب واستفراغ الشهوة. كأن أجسامهم ظروف تملأ وتفرغ، أو هي دمامل تولد الصديد وتدفعه”.

وأنفع ماوصله الترقي في البشر، الوقوف سدا منيعا في وجه الاستبداد، باعتبار الاستبداد جرثومة كل فساد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى