رأي/ كرونيك

اللغة و الهوية  الجزء  الثامن.. محمد بن عبدالكريم والهوية الوطنية 2/2

محمد المباركي/ فرنسا

3 –  محمد بن عبد الكريم و الهوية الوطنية

ظروف العيش و الأحداث المحلية و الوطنية هي التي تولد الوعي المتقدم و الفاعل المتقدم، هذا بشكل عام، وبتلخيص وجيز ما سنحاول فيه سرد المحطات الأساسية التي تظهر عمق الوعي بالهوية الوطنية و القومية عند الأمير المجاهد.

أولا- عند تحديد مرحلة النشأة و الشباب لمحمد بن عبدالكريم أوضحنا كيف تربى في كنف أسرة لها مسؤولية في حضن الدولة المركزية،  فأبوه محمد الخطابي كان قاضي قضاة قبيلة بني ورياغل و المشرف عن قواد مراكزها، المسؤولية التي سيتحملها ابنه من بعده، لكن المهم في هذه المرحلة من حياته وجوده عبر فترات عديدة بمدينة فاس بداية القرن قبل إبرام معاهدة الحماية، و كذا مخالطته للعلماء و الوطنيين الأوائل الذين وقفوا في وجه عقد الحماية و وضعوا أول دستور يحدد مسؤولية السلطان.

كما عاش فترة محاصرة القبائل، و ضمنها التي نزلت من الشمال، لمدينة فاس و إرغام السلطان عبد العزيز على الاستقالة، ثم نعلم وقوفه إلى جانب والده لمحاربة المهندس امحمد الجيلالي الزرهوني الذي ادعى لنفسة السلطنة.

ثانيا – مرحة التحرير و بناء الدولة الشعبية كمرحلة أولى لتحرير باقي أطراف المغرب، ليس هناك غلو في هذا القول، لأنه إذا راجعنا رسائله الموجهة إلى المغاربيين المنضوين في الجيش الإسباني و الفرنسي و من والاهم، نفهم بعد مشروعه التحرري، و كذلك معاملته للمعتقلين و المصابين من أبناء طينته المغتربهم  وحثهم على الوقوف إلى جانب جيش المناطق المحررة.

إن ماو تسي تونغ و هو شمين لم يأخذا عن القائد البطل أسلوبه الحربي في خوض المعرك و التي سميت في ما بعد يحرب العصابات، و التي هي في الحقيقة طرق استعملها المغاربة منذ عهود، إلا أن عبد الكريم أدخل عليها التقنيات الحديثة كاستعمال الهاتف و مركزة قيادة العمليات و اختيار الزمان و المكان للهجوم و التراجع، كما قال امريء القيس في معلقته” مكر، مفر، مقبل مدبر معا …كجلمود سخر حطه السيل من عل”. (الجلمود هو السخرة المنفردة فوق اليابس).

لم يأخذ القادة المنتصرين في الصين و الفيتنام عنه أسلوبه الحربي فقط، بل تبنوا معه تكتيكه في التحرير الشعبي،المبني على تحرير منطقة معينة و تأمينها، ثم توفير حياة اجتماعية و اقتصادية بها، قبل الانطلاق لتحرير منطقة أخرى. لقد نجحت هذه الخطة الذكية بشكل مبهر. فعند تحرير منطقة يتم فتح الطرق واستعمال الهاتف وتعميم المحاكم للبث في الخلافات التي كانت تنخر القبائل المتصارعة بينها قبل الوحدة و تأسيس جمهورية قبائل الريف. فبعد تحرير المنطقة التي كانت تحت النفوذ الاسباني شرع القائد البطل في تحرير المنطقة التي كانت تحت السيطرة الفرنسية. ما يهمنا هنا هو البعد التحرري الشامل للمغر بوكذلك باقي أقطار المغرب الكبير، كما أكدته مواقف الأمير خلال تواجده بمصر.

قبل المرور لفكرة أخرى تؤكد تشبث الرئيس عبد الكريم الخطابي بهويته الوطنية و القومية، لا بد الإشارة كون الثورة الريفية لم تنهزم أبدا كما يتوهم أعداؤها، بل كانت الشرارة التي انطلقت عبر الشعوب المستعمرة في المشرق العربي و في العالم. و هي بداية ثورة أممية، و كذلك قال فيها الشهيد غيفارا مثلا و غيره من أحرار الإنسانية، ثم و هذا جانب من ميزته العلمية و الروحية، أنه لما قامت الثورة الكمالية (نسبة لكمال أتا تورك) و أقامت الجمهورية التركية بعد قضائها على الدولة العثمانية طرحت مسألة الخلافة، بدعوى أنها ركيزة أساسية للمسلمين.

و لقد تم ترشيح الفقيه و العالم المجاهد عبد الكريم الخطابي لها عوض الخديوي ملك مص. و ذاك لما داع صيته مشارق الأرض و مغاربها غداة الانتصار العظيم على جحافل الغزاة بأنوال. هذا هو عبد الكريم و هذه عظمته.

– أما المرحلة الثالثة فهي تخص العشرين سنة التي قضاها منفيا و عائلته بجزيرة لا رينيونو، التي لا زالت مطروحة للبحث و التنقيب.

ما يمكن استنتاجه أنها كانت مرحة تأمل و تفكير و تدقيق بعض الأخطاء التي وقعت فيها الثورة الريفية الظافرة مثل عدم احتلال مدينة مليليه، التي بقيت ثغرة منها تسلل جيش المعادي. كان موقفا إنسانيا اتجاه الأبرياء من أهلها، و هي خصلة تحسب له لا عليه. كما أنه في هذه المرحلة التي لا بد للباحثين الرجوع إليها للتنقيب على قدرة تطور و إبداع القائد البطل في تسيير مشروعة التجاري و الفلاحي الناجح. الشيء الذي يبرهن كونه كان يملك القدرة على استيعاب الاقتصاد الحديث، الشيء الذي غاب في زمانه على معظم الزعماء و القادة السياسيين.

أما المرحة الرابعة من حياة القائد البطل، و التي تقدر أيضا بعشرين سنة، منذ نزوله أرض الكنانة في 31 ماي 1947إلى  يوم وفاته 6 فبراير 1963. في هذه المرحلة سيظهر مدى عمق وعيه الوطني و القومي.

فعند نكبة فلسطين كان أول من دعا لمواصلة الكفاح عبر تجنيد و تدريب أفواج من الشباب العربي ابتداء من عام 1948، من تلك الأفواج ستتشكل نواة انضم بعضها إلى جيوش التحرير ببلدان المغرب الكبير، لذا لا غرابة أن يصدر أول بيان لإعلان الثورة الجزائرية بتوقيع الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي رئيس لجنة تحرير المغرب العربي و نائبه أمحمد بن عبد الكريم الخطابي، اللجنة التي قامت مكان مكتب المغرب العربي الذي لم يكن يتماشى و نهجه في التحرير و الوحدة. الخلاف حول هذه القضية بينه و باقي الزعماء المغاربيينن، الذين فضلوا الحوار السياسي و استقلال كل قطر على حدا عوض خوض معركة التحرير المشترك لبناء المصير المشترك معروفة بما فيه الكفاية.

لكن ما نقصده من طرحنا هنا هو التأكيد على الروح الوحدوية سواء منها على مستوى الأقطار المغاربية أو على مستوى الوطن العربي الكبير.

يرجع البعض التوجه القومي للأمير إلى علاقته المتينة مع جمال عبد الناصر القائد القومي في زمانه، نعم كانت هناك علاقة متينة الأواصر بين الرئيس الأممي محمد عبد الكريم و الرئيس القومي جمال عبد الناصر، إلا أن قومية محمد عبد الكريم كانت سباقة، فرئاسته لمكتب المغرب العربي، ثم لجنة تحرير المغرب العربي كانت قبل قيام ثورة الضباط الأحرار بمصر عام 1952 و رئاسة عبد الناصر لها بعد سنتين، إن منظور الأمير كان تحرريا و ثقافيا و حضاريا و مصيريا و مستقبليا منذ عشرينات القرن الفائت.

لم يتخل محمد عبد الكريم عما يحدث بوطنه المغرب كزعيم الزعماء و أمام الوطنيين، بل ظل يتابع تطورات أوضاعه السياسية و الاجتماعية

فهو لم يوافق على الاستقلال الجزئي لمحادثات اكس ليبان و معاهدة سان اكلوا، كما لم يوافق على الدستور الممنوح عام 1962، أما عن علاقته بزعماء الحركة الوطنية و القصر يمكن الرجوع إليها في مناسبة أخرى، لكن للحقيقة و التاريخ، لا بد من رفع لبس مصطنع يخص علاقة الشهيد بن بركة و الرئيس محمد بن عبد الكريم. كان هناك خلاف سياسي بينهما، و هو الخلاف الذي كان قائما و ظل بين الأمير و باقي قادة و الزعماء بالحركة الوطنية حول طبيعة الاستقلال، إلا أنه بعد قيام حكومة عبد الله إبراهيم والحركة التصحيحية التحررية المجسدة في تأسيس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بزعامة المهدي بن بركة، ستتقوى العلاقة بين محمد بن عبد الكريم و هذا الأخير الذي سيستقر بعائلته هو الآخر بمصر، و الذي رغم تنقلاته عبر العالم ابتداء من 1962 سيكون له تواجد ملحوظ بالقاهرة، و حيث توطدت علاقته بالأمير محمد بن عبد الكريم و الرئيس جمال عبد الناصر.

هذا الأخير الذي كان يعتبر الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي أبا روحيا له والشهيد المهدي بن بركة أخا ومرجعا له في كثير من القضايا العربية والدولية.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى