رأي/ كرونيك

تحتاج قراءة تقرير لجنة النموذج التنموي لنوع من الترفع عن الشعبوية والصراخ في حال الاختلاف

تحتاج قراءة تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد إلى نوع من الترفع عن الشعبوية والصراخ في حال الاختلاف، أو الاتفاق مع ماورد فيه من تشخيص وتحليل وما يقترحه للمستقبل، كي يكون النقاش العمومي مفتوحا فعلا على إمكانية الخروج مما يشدنا إلى الوراء ويبقي نمونا ضعيفا و فوارقنا الاجتماعية والمجالية صارخة وتنميتنا البشرية فاشلة و بناءنا الديمقراطي هشا و مهددا بالتراجع و السلطوية….الخ.

التقرير، الذي سيصبح لامحالة ميثاقا، أو رؤية استراتيجية حسب توصيته، وثيقة لا يمكن قراءتها بالسهولة التي يتصورها البعض، لأ نها مشحونة بمفاهيم تستدعي امتلاكها أو فهمها، و لأنها تعتمد اختيارا منهجيا متعددا بتعدد اختصاصات المساهمين في بلورتها، و تقوم على أساس مرجعية فيما يتعلق بالتنمية و الاختيارات الكفيلة بجعلها تحقق جملة من النتائج تستوحي جملة من النماذج … و لأنها صيغت كذلك في إطار مؤسساتي وعلى أساس تراكمات سابقة وليست انطلاقة من نقطة الصفر .

وقبل مناقشة التقرير، لابد من طرح سؤال أساسي يمثل مدخلا لا محيد عنه: هل نحن في حاجة إلى مراجعة النموذج التنموي الحالي أم لا؟

السؤال، رغم بساطته الظاهرة، بالغ التركيب، لأن الامر يتعلق بواقع مركب ينفتح في سيره، وفي زمننا هذا، على اللايقين. ذلك أن ماتثبته التجربة الخاصة والعالمية هو أن التوقع صار بالغ الصعوبة، نظرا لسرعة التغيرات وتشابك المصالح والمجتمعات و حركة الفاعلين و انتقال القيم، مما جعل منهج التوقع يفقد جدواه، وبالمثل فإن النماذج المختلفة التي تم اعتمادها وتسويقها هنا وهناك توجد كلها عرضة للانجراف بسرعة مالم يتم تحيينها وملاءمتها، كما أن زرعها في تربة غير ملاءمة تنتهي إلى نتائج عكسية، بحيث يتم تدمير ما هو قائم وما يعطي نتائج ولو محدودة دون أن يتمكن البديل من تحقيق وعوده.

إننا في حاجة بكل تأكيد إلى نموذج تنموي جديد، وليس إلى نموذج للنمو فقط، نموذج يمكننا من تجاوز النمو الضعيف تاريخيا، ومن تعبئة إمكانيات النمو في السوق الداخلية، التي أعادت لها الاعتبار الجائحة، وإمكانيات النمو دوليا أيضا، خصوصا في هذا الوقت الذي سيعاد فيه ترتيب سلاسل القيم وتوزيعها على نحو جديد نسبيا، و يمكننا من خلق أكبر عدد من مناصب الشغل لساكنة نشيطة تعاني من البطالة والشغل الناقص، ويمكننا من محاربة الفوارق الاجتماعية التي تتعمق وتجعل الفقر يورث جيلا بعد جيل والثروة تتركز بين أيادي اوليغارشية تتحكم في كل شئ، في الثروة والسلطة، و تفرض على البلاد ما يلائمها و لا يلائم البلاد وعموم ساكنتها، ويمكننا من حل مشاكل عويصة تشكل تهديدا وجوديا، وفي مقدمتها مشكلة انهيار نظامنا التعليمي والتربوي الذي يرافقه انهيار للقيم و ضعف في الشعور بالانتماء…،

ويمكننا من السير على السكة القويمة والسليمة نحو بناء دولة المؤسسات و سيادة القانون و احترام الحريات وحقوق الانسان و الالتزام باحترام الاختيارات المعبر عنها في انتخابات شفافة ونزيهة ومنتظمة…الخ.، مع التاكيد على ربط كل المسؤوليات بتقديم الحساب.

حاجتنا الى هذا النموذج الجديد ملحة كي نصبح قادرين على النظر إلى المدى البعيد، ونتحرر بالتالي من قصر النظر السائد، و تصبح الرؤية مشتركة وكفيلة بجعل جميع الفاعلين يكتسبون درجة عالية من الوضوح لاتخاذ قراراتهم و يساورهم شعور بالأمان والاطمئنان دون خشية مفاجئات، وهي ملحة أكثر بالنسبة للدولة كفاعل رئيسي له مسؤوليات شاملة كي تنسق سياساتها العمومية و تسير بها نحو الأهداف المتوخاة بانسجام وبمعرفة بآثارها الخارجية les externalités السلبية التي تستدعي المعالجة كي لا تتفاقم و تصبح عرقلة.

ذلك أنه إذا كانت الفترة التي تلت تقرير الخمسينية قد تميزت بإطلاق مشاريع البنية التحتية، التي حققت نجاحا ملموسا، والاستراتيجيات القطاعية، التي لم تف بوعودها كاملة رغم المجهود العمومي، و أدت إلى تحاشي السقوط في النمو السالب في سنوات الجفاف، وهي على كل حال استراتيجيات أوحي بها من طرف البنك العالمي الذي اعتمد هذه المقاربة عالميا، و قامت بإعدادها شركات دولية، وبالأساس ماكنزي، دون مرافقة حقيقية وفاعلة لدى التنفيذ والتسويق..

إذا كان الأمر كذلك، فإن التنسيق قد بات ملحا للتحكم في الكلفة وتخصيص الموارد النادرة، وبالتالي تجنب الاهدار والتبذير الذي طبع تنفيذ بعض تلك الاستراتيجيات المعزولة، وبالأخص مخطط المغرب الأخضر، وجعل كلفتها باهضة في الوقت الذي كان انعكاسها على النمو محدودا جدا وكان اثرها على التشغيل و توزيع المداخيل و محاربة الفوارق سلبيا، بل إنها كانت في صالح مزيد من تركيز الثروة و تعميق الفوارق و عدم الوفاء بالتزامات التنمية البشرية والتنمية القروية.

هكذا أصبحت التقائية البرامج والسياسات العمومية واعتماد الأفقية في تدبير الشان العام كلماات رائجة، لكنها بلا د لالة في الواقع في غياب رؤية تنتظمها وتحرص على التكامل، وهي الرؤية التي غابت مند نهاية العمل بمخططات التنمية وباليات التخطيط، رغم كل ما يمكن قوله بشان تجربتنا التي انحصرت في الإدارة و تغلب فيها الروتين الإداري، والتي بات من غير الممكن الاستمرار في التهرب من وضعها.

للموضوع بقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى