مجتمع

مع جان جنيه … “الجريمة المبجلة.. الجريمة المثيرة” (الحلقة الثانية)

الجريمة المبجلة.. الجريمة المثيرة

يشبع جان جينيه رغباته رمزيا عن طريق الكتابة. مثل ساد، سيكتب جينيه في السجن جزءا كبيرا من عمله. مثل ساد، يتخيل جينيه نفسه مجرما، وتبهره جرائمه المتخيلة.

الجريمة عند جينيه مبجلة لكنها شبقية أيضا، إنها عمل عدواني، ولكنه أيضا عمل جنسي وديني كما يتضح من الصفات والأفعال المستخدمة، مثلا، في هذا المقتطف القصير من “معجزة الوردة” حيث يصف الكاتب، بنوع من الانطباع الغنائي، عملية سطو عنوة.

إليكم المقتطف التالي: “في كل مرة حكى عن إنجازاتهم، طبقة فوق طبقة، من خلال الشقق الفاخرة، الدافئة، الأبواب المفتوحة، الزرابي الموطأة، الثريات المبهرة، الخراب، إثارة قطع الأثاث المفتوحة، المغتصبة، المال الذي يئن تحت الأصابع، (…) إنها الحياة الخاصة، الوجود الحميم للمالك، هو ما تم اغتصابه، اختراقه. (…) سوف يفهم كل اللصوص الكرامة التي كانت تجللني عندما حملت في يدي سيدي الملقط، ال”قلم”، من ثقله، من مادته، من عياره، من وظيفته أخيرا، انبثقت سلطة جعلتني إنسانا.

كنت أحتاج دائما إلى هذا القضيب الفولاذي لتحريري تماما من تصرفاتي البائسة، ومواقفي المتواضعة وتحقيق بساطة الرجولة الواضحة …كنت أكن له، منذ سطوي الأول، كل الحنان الذي يكنه المحارب لأسلحته، مع تبجيل غامض كما هو الحال عندما يكون هذا المحارب وحشيا وسلاحه بندقية.”

إذا كان لا بد من التشخيص، فإن التغلغل في الشقة يعادل الاختراق الجنسي العنيف، السطو يصبح عملاً بطولياً، اللص هو محارب يتم تكريم أسلحته، السكين يصبح رمزا قضيبيا، وكذلك سيدي الملقط. مثل ساد مرة أخرى، يربط جينيه الشبقية بالمعاناة والعنف، يجد سعادته في الألم.

وفقا لجان بول سارتر، عند جينيه، المعاناة هي المكمل الضروري لمتعة الآخر، إنه يستمتع بها كما لو كانت متعة الآخر .. . ها نحن قد عدنا إلى هذا الانقلاب المعمم الذي يميز الشر، هذه الإرادة الحرون، ما دام يحرم عليه كل شيء، إلى فهم الحرمان كرقم للامتلاء، إلى الامتلاء بهذا الفراغ، ألمه متعة متخيلة.

مثل ساد أخيرا، يربط جونيه الشبقية بالتمسرح؛ إنه مهووس بلعب الأدوار، بمسرحة الحياة. شخصياته تمثل لتكون هي نفسها أو شخصيات أخرى. في “الشرفة”، كل غرفة في ماخور فاخر تذكرنا بالديكور الذي تعيش فيه شخصية مهمة في مجتمعنا: الأسقف، القاضي، الجنرال، إلخ. يختار الزبناء الشخصية التي يريدون تقمصها خلال اللعبة. الماخور يرمز إلى العالم والعالم ليس إلا مظهرا. في “الخادمات”، كانت الخادمتان (يستوحي جينيه الأخوات Papin، المسممات الشهيرات)، تؤديان دور السيدة، رئيستهما.

وضوح وعزلة

ومع ذلك، فإن جينيه، مثل ساد، نادراً ما خدعته “أحكامه المجملة” التي يحاول من خلالها تحويل الواقع المخيف الذي عاشه. إنه يعرف أن حياته، بطريقة ما، فاشلة وأن موقفه طفولي بالفعل. هذا الوضوح يتجلى بشكل خاص في “معجزة الوردة”، التي نقدم لكم منها هذا المقتطف: “مرتدية حُليها المقدسة، أرى السجنً عاريا، وكان عريه فظيعا. المحتجزون هم فقط أشخاص فقراء بأسنان نخرها داء الإسقربوط، تقوست ظهورهم بالمرض، يبصقون، يسيل ريقهم، يسعلون. يذهبون من المهجع إلى الورشة منتعلين قباقيب كبيرة ثقيلة ورنانة، يتعثرون في نعال من القماش، مثقوبة وصلبة باالقذارة التي شكلها الغبار مع العرق. تفوح منهم رائحة كريهة. إنهم جبناء أمام أخطائهم، هم ليسوا أقل منها جبنا. إنهم ليسوا أكثر من صورة كاريكاتورية غريبة للمجرمين الكرام الذين رأيتهم عندما كنت في العشرين من عمري، وما أصبحوا عليه، لن أكشف أبداً مزيدا من العيوب، من البداءات، لأنتقم من الشر الذي أذوني به، من الملل الذي تسبب لي في غباء لا مثيل له.” هذه الملاحظة الفظة تعيد جينيه إلى عزلته الأصلية: لن يكون شريكا لمجتمع يكرهه، لكنه لم يعد واحدا من هؤلاء “المجرمين الممجدين”. في مقالته الشهيرة “الأدب والشر”، كتب جورج باطاي: “ما جعل جونيه يغوص في الوحل هو الوحدة التي حبس فيها نفسه … لا يوجد دافع مبتذل يفسر فشله، ولكن كما هو الحال في سجن مغلق بإحكام أكثر من السجون الحقيقية، قدر بئيس حبسه في داخل نفسه، في عمق ارتيابه”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى