ميديا و أونلاين

المرشحون للرئاسيات التونسية يغردون خارج صلاحيات الرئيس

نسرين رمضاني صحافية تونسية

سعى المرشحون للانتخابات الرئاسية التونسية المبكرة، للعب على وتر القضايا الحارقة التي تشغل بال المواطن وتشد انتباهه، وخاصة منها التي ترتبط بشكل وثيق بحياته اليومية، وأمنه، ومعيشته، والأوضاع العامة في البلاد اقتصاديا وأمنيا واجتماعيا.

كانت العناوين العامة للملفات التي خاض فيها المرشحون للانتخابات، أثناء حملاتهم الانتخابية وبشكل خاص خلال المناظرات التلفزيونية، تدور حول التنمية والأمن القومي والاقتصاد وإنهاء التهميش والحد من الفقر ومكافحة الفساد والإرهاب والمحافظة على سيادة تونس وحمايتها. لكن نقطة الضعف التي تشارك فيها جميع المرشحين دون استثناء تقريبا لم تكن في طبيعة الملفات التي طرحت ولكن في اعتماد مقاربة التعميم والوقوع في فخ الحديث عن المواضيع العامة دون طرح أفكار واقعية وخطط سياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية ملموسة وقابلة للتطبيق في غياب استراتيجية واضحة وخاصة بكل مرشح للرئاسة.

جعل حديث المرشحين للانتخابات في العموميات يطرح فرضية أن لا أحد من بين هؤلاء الستة وعشرين مرشحا قادرا على تفكيك أبسط الملفات التي يتطلع التونسيون إلى إحراز تقدم فيها. بل أكثر من ذلك بدا التركيز على خطاب مستهلك منذ 2011 من قبيل العزف على وتر “التنمية في المناطق الداخلية” و”إيجاد حلول للبطالة” و”دفع عجلة الاستثمار” وغيرها من المرادفات الأخرى، التي تتواتر في جل الخطابات السياسية بمثابة كلمة حق أريد بها باطل، فالتونسيون حفظوا عن ظهر قلب هذا النوع من الخطاب السياسي وخبروا من يتلفظ به، لكنهم في حاجة اليوم إلى من يعطيهم أملا في أن هذا لن يكون مجرد كلام للاستهلاك الانتخابي ولن يكون كلاما ملتصقا بظرفية زمنية محددة يصبح منتهي الصلاحية بعد 15 سبتمبر المقبل؛ موعد الاقتراع لاختيار رئيس جديد للبلاد.

وبعيدا عن الخطاب الغائص في النوايا والغايات الانتخابية، بدا الأمر وكأن المرشحين لا يفهمون ما هم مقبلون عليه ولا يفهمون ما ذا يعني أن تكون رئيسا لتونس في 2019.

وترى الأوساط السياسية في تونس كما الرأي العام أن من تناظروا ومن يتسابقون في الطريق نحو قصر قرطاج تناسوا أن تونس في هذه المرحلة ليست تونس في العام 2011 أو حتى في 2014 وقطعا ليست تونس ما قبل هذين التاريخين.

التونسيون يحفظون عن ظهر قلب هذا النوع من الخطاب السياسي لكنهم اليوم في حاجة إلى من يعطيهم أملا في أن هذا لن يكون مجرد كلام للاستهلاك الانتخابي

قال مرشح إنه ووفق ما تسمح له به صلاحيات رئيس الجمهورية سيترأس كل المجالس الوزارية في حين أن القانون منح هذه المهمة لرئيس الحكومة بينما يتولى رئيس البلاد مهمة ترؤس مجلس الأمن القومي، ليبرز في هذا الموقف الخلط الواضح بين صلاحيات كل من رأسي السلطة التنفيذية.

تعهد مرشح آخر خلال زيارته لولاية القيروان في إطار حملته الانتخابية بتفعيل المشاريع المعطلة في المنطقة وتوفير المياه للزراعة إذ تعيش هذه الولاية أزمة في توفير مياه الري.

وبدت المشاريع التي تحدث عنها أقرب إلى الأحلام البعيدة تماما عن الواقع إذ لا تمس مشكلة الماء في القطاع الزراعي بالقيروان فقط بل تتشارك فيها العديد من الولايات في وسط البلاد وجنوبها، وحين يتمكن مورو من التخطيط لتحقيق هذه المشاريع فستكون بحجم استثمارات هائلة من المستحيل توفيرها لبقية المناطق التي تعاني من نفس المشكلات أو الصعوبات الأخرى.

ولا تدخل هذه المسائل ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية حيث تتكفل بإنجاز هذا النوع من المشاريع جهات حكومية أخرى من بينها وزارتا التجهيز والزراعة ما يجعل هذه المهمات من صلاحيات الحكومة وهي بعيدة كل البعد عمّا حدده الدستور لرئيس البلاد.

Thumbnail

بنفس الأسلوب، أكد مرشح آخر أن إرساء الحكم المحلي هو من بين أولوياته عندما ينجح في الجلوس على كرسي قرطاج وذلك في إطار مشروعه لدفع التنمية بالبلاد، ليكون موقفا ينم عن عدم إلمام بحقيقة الحدود المرسومة لرئيس الجمهورية.

من خلال متابعة خطاب المرشحين لرئاسيات تونس 2019 يتبين أن أغلب المرشحين يتحدثون على أساس أن رئيس الجمهورية في يده كل المهام والصلاحيات متجاوزين بوضوح الفرق الشاسع في الصلاحيات بين رأسي السلطة التنفيذية.

ويحدد الفصل 77 من باب السلطة التنفيذية في الدستور التونسي صلاحيات رئيس الجمهورية في تمثيل الدولة وضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلقة بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة.

وأوكل الدستور لرئيس البلاد مهمة حلّ مجلس نواب الشعب في حالات محددة، إلى جانب رئاسة مجلس الأمن القومي والقيادة العليا للقوات المسلحة. ومن صلاحيات رئيس البلاد أيضا إعلان الحرب وإبرام السلم بعد موافقة مجلس نواب الشعب، وإرسال قوات إلى الخارج بموافقة رئيسيْ مجلس نواب الشعب والحكومة.

ويضمن نفس الفصل للرئيس التونسي اتخاذ التدابير التي تحتمها الحالة الاستثنائية، والإعلان عنها، والمصادقة على المعاهدات وإسناد الأوسمة وإصدار العفو الخاص.

أما الفصل 92 من الدستور فيحدد صلاحيات رئيس الحكومة في إحداث وتعديل وحذف الوزارات وكتابات الدولة وضبط اختصاصاتها وصلاحياتها. ومن حق رئيس الحكومة إقالة عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة أو البت في استقالته بالتشاور مع رئيس الجمهورية إذا تعلق الأمر بوزير الخارجية أو وزير الدفاع. ويمنح الدستور كذلك لرئيس الحكومة صلاحية إحداث أو تعديل أو حذف المؤسسات والمنشآت العمومية والمصالح الإدارية وضبط اختصاصاتها وصلاحياتها باستثناء المصالح التابعة لرئاسة الجمهورية فيكون إحداثها أو تعديلها أو حذفها باقتراح من رئيس الجمهورية.

كما يعين رئيس الحكومة المسؤولين في الوظائف المدنية العليا ويعفيهم منها. وكذلك يتصرف رئيس الحكومة في الإدارة، ويبرم الاتفاقيات الدولية ذات الصبغة التقنية. وأيضا تسهر الحكومة على تنفيذ القوانين.

Thumbnail

ويدرك البعض من المرشحين الفرق بين صلاحيات كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، لكن ضرورة الخطاب الانتخابي حتمت عليهم التغاضي ولو مؤقتا عن هذا الفرق في المهام من أجل كسب الأصوات والمؤيدين والإيهام بقدرته على إحداث التغيير الذي يحلم به التونسيون.

وترفض مواقف ورؤى هؤلاء المرشحين النظام الحالي وتدعو إلى تأسيس نظام سياسي جديد على اعتبار أن هذا النظام التشاركي في الحكم وإدارة شؤون البلاد قد أظهر محدوديته. ويعتبر المرشحون أن تشتت المهام بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية والبرلمان هو السبب الرئيسي للأزمات التي تعاني منها تونس ويقترحون نظاما سياسيا جديدا تكون فيه صلاحيات كل سلطة واضحة ومحددة وهو الطرح الذي يتبناه كل من محسن مرزوق مرشح حركة مشروع تونس وعبير موسي مرشحة الحزب الدستوري الحر.

وينكر المتابعون للشأن التونسي والأوساط السياسية أن يتحدث المرشحون متجاوزين الصلاحيات المنصوص عليها في الدستور الحالي في حين أنهم لم يقدموا بعد مبادراتهم السياسية ولم يقع الحسم في شأنها، مشددين على أنه كان من الأفضل احترام الأطر التشريعية الموجودة حاليا وأي كلام أو سلوك يخالف ذلك يكون سابقا لأوانه وخاليا من الواقعية.

المصدر: صحيفة العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى