رأي/ كرونيك

رشيد العلوي يكتب: الفيلسوف باحتشام والفيلسوف باقتدار

رشيد العلوي
لماذا يتحفظ المهتمون بالفلسفة في العالم العربي حول نعت بعض المشهود لهم بجدية أبحاثهم ودراساتهم وكتبهم وتأليفهم في مجال الفكر والفلسفة بأنهم فلاسفة؟ لماذا لا يستحق العروي أو الجابري أو ناصف نصار أو غيرهم اسم فلاسفة؟ في حين تحظى أسماء أخرى في التراث الغربي بهذه الصفة؟ هل يمكن مقارنة ما جاء به الفارابي مثلاً أو الكندي بما جاء به العروي؟
كان درس الفلسفة في مقررات سابقة لتدريس الفلسفة في المغرب يطرح سؤال من هو الفيلسوف؟ كما يتضمن مقرر تونس نصوصاً كذلك حول الموضوع، ورغم ذلك يظلُّ هذا النعت غامضاً ويتحفظ المدرسون في الحسم فيمن هو الفيلسوف؟
يتخذ هذا التحفظ أحياناً مبررات منطقيَّة ومعقولة بحيث لا نكاد نجد في ثقافة ما وخاصة الثقافات التي أدمجت درس الفلسفة في برامجها التعليميَّة اتفاقاً حول من يكون الفيلسوف وظل غامضاً غموض ما الفلسفة؟ في حين أن الأمر قد حسم في مجال العلم، فالعَالِم ينتسب إلى حقل علمي معين: الفيزياء الرياضيات، الأحياء… ولم يشمل حقول العلوم الإنسانيَّة التي كانت تنتسب إليها الفلسفة، علم النفس، علم الاجتماع والأنثربولوجيا… لكن هل يسعنا التخصص في تميِّيز أنواع الفلسفة؟ لا نعتقد ذلك، لأنه كلمَّا امتدت بحوث الفروع الفلسفيَّة واتسعت مناهجها كلمَّا استقلت عن الفلسفة، ذلك كان حال مختلف العلوم التي ذكرناها. وأحيانا أخرى لا نجد أي مبرر معقول لنعت فلانة أو فلان بالفيلسوف وخاصة حينما يتعلق الأمر بفلاسفة الغرب وذلك لعدة أمور أهمها:
استمرار التبعيَّة: فرغم استقلال أغلب دول المنطقة عن السلطات الاستعماريَّة إلا أنها ظلت تابعة لها في مختلف الحقول، لذلك يستعمل نعت الفيلسوف اتجاه كل من كتب في الفلسفة في الغرب وكأنهم فلاسفة باقتدار، ويتم الاكتفاء بنعت من هم من تراثنا بالمفكر أو المثقف أو المُنظِّر… وكأنهم فلاسفة باحتشام.
غياب ثقافة الاعتراف وطغيان الذاتيَّة الفجة في أبشع صورها: ففلاسفتنا لا يعترفون ببعضهم البعض ولا يتحاورون حتى ممَّا جعلهم مجرد أيقونات ذكوريَّة تستعمل لإعادة إنتاج نفس السُّلط السائِدة، يهرع كل واحد منهم إلى مجاله ليحافِظ على مريديه ويوسِّع دائرة تأثيره، يعود هذا الغياب إلى عوامل ذاتيَّة وموضوعيَّة محضة بحيث لا يمكن عزل طبيعة هذه المجتمعات الذكوريَّة والمستبدة وأساليب اشتغال الثقافة والتعليم والتربية عن هذا الأمر، بل يصير الفيلسوف باحتشام جزءً من بنية نِظاميَّة عاميَّة لا يستطيع الفكاك منها بل حتى النقديُّون منهم والذين تجرأوا على نقد أسس تلك البنية والنَّسق السيَّاسي العام ظلوا يراوحون المكان ولم يبلوروا خطاً عاماً أو مدرسة فكريَّة أو فلسفيَّة مستقلة، فالذاتيَّة المفرطة وغياب الحوار وانعدام التراكم المعرفي من سمات الفيلسوف باحتشام التي فرضها عليه النِّظام العام لهذه المجتمعات. فما العمل لتجاوز ثنائيَّة الاقتدار والاحتشام؟

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. تحية طيبة؛
    لما يخرج مفكرونا من دائرة المحلية إلى الكونية، ويتفاعلوا مع القضايا الفلسفية الإنسانية، حينئذ يمكن أن نخاطبهم بفلاسفة؛ لكن لما ينغمسوا في قضايا ليست من اختصاصهم، من قبيل: لم تقدم الغرب وتأخرنا نحن؟ وهو سؤال لا يمكن أن يجيب عنه دارس الفلسفة، وإنما يجيب عنه رجل الاقتصاد، ورجل السياسة، فلا يمكن أن نخاطبهم بكونهم فلاسفة. ثم هناك مسألة الإبداع منعدمة عند مفكرينا، فهم يجترون المعرفة اجترارا، ولا يحسنون إلا العنعنة. بالله عليكم، ماذا يستفيد شخص عادي في أمريكا أو في اليابان أو في أي بلد خارج الدول العربية من قراءة الجابري أو طه عبد الرحمان أو العروي أو غيرهم؟ أعتقد لا شيء، إلا الأشخاص المختصين في القضايا التي تناولوها. لكن فكل إنسان في العالم، من أي بلد كان، يجيد نفسه متفاعلا مع ما كتبه أفلاطون، وأرسطو، وديكارت، وسبينوزا، وكانط، وهيجل، وهيدغر، وسارتر، وكارناب…لأنهم أبدعوا مواقف فلسفية في قضايا كونية، وبذلك استحقوا اسم فلاسفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى