ميديا وإعلام

كيف استطاعت “بوعياش” تبرير تعذيب معتقلي الريف؟

عزيز إدامين خبير حقوقي مقيم في باريس

البلاغ الصادر عن المجلس الوطني لحقوق الانسان، والمتعلق ب”خلاصات زياراته عقب الإجراءات التأديبية المتخذة في حق المعتقلين برأس الماء”كان متوقعا، نظرا لعدة خرجات سابقة لرئيسة المجلس، التي تتبنى فيها دائما الاطروحة الرسمية للدولة، كما أن البلاغ يصعب تحديد مرجعيته الدولية أو الوطنية، مثله مثل عدد من المقالات والتصريحات السابقة، فقد سبق أن تخلت السيدة الرئيسة عن كل المعايير الدولية واستندت على مقال لإحدى الجمعيات بدولة بلاروسيا من أجل نزع صفة الاعتقال السياسي والرأي عن معتقلي الريف في مقال لها حول “طلقوا لدراري”، كما انها اعتبرت أن ما يتعرض له المتواجدون بالسجونهي فقط إشكالية وليست جريمة تقتضي المعاقبة وجبر الضرر مثلها مثل التعذيب، وأخيرا، غياب أي سند قانوني، تم نشر مذكرته حول القانون الجنائي، فلا هي مسنودة على المادة 24 ولا المادة 25 من القانون رقم 76.15، وتوجيهها إلى الفرق البرلمانية كمخالفة دستورية، واعتماد المذكرة على موافقة في مكتب المجلس وليس الجمعية العامة كما هو منصوص عليه في المادة 48 من قانون المجلس، يعد خرقا قانونيا.

ومع ذلك نسائل بلاغ “الزيارة” مرة أخرى من داخل القانون الدولي لحقوق الانسان والقوانين الوطنية.

أولا: “المشادات” في القانون الدولي والوطني

يسجل بلاغ المجلس الوطني لحقوق الانسان أنه وقعت “مشادات” بالفعل بين حراس السجن واثنين من المعتقلين أسفرت عن بعض الكدمات بالنسبة للمعتقلين الاثنين وشهادات توقف عن العمل بالنسبة للحراس وهي الملاحظة التي “تشكل” قلب التحقيق الذي أجري ولكنها بمخرجات تبريرية لنفي التعذيب

السؤال المطروح، هل يحق للمكلفين بإنفاذ القوانين الدخول في مشادات أو “مشاجرة” مع المعتلقين كأنهم في “الزنقة” وليس مؤسسة سجنية لها قوانينها، أم عليهم اتباع مساطر تتعلق بفض “تجمع” أو “عصيان” ؟ ألا يشكل سلوك “المشادات” خطأ جسيم للمكلفين لحراس السجن؟

بالعودة إلى مدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين المعتمدة من قبل  الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة  1979، التي تنص في مادتها  الثالثةعلى أنه : “لا يجوز للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين استعمال القوة إلا في حالة الضرورة القصوى وفى الحدود اللازمة لأداء واجبهم” ويدقق التعليق العام للمادة ما يلي “يقيد القانون الوطني في العادة استعمال القوة من قبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين وفقا لمبدأ التناسبية”

إن القانون الدولي يعتبر استعمال المكلفين بإنفاذ القوانين للقوة، وفق ثلاث محددات: الضرورة القصوى (ويحددها التعليق العام “من  أجل تفادي وقوع الجرائم أو في تنفيذ الاعتقال القانوني للمجرمين أو المشتبه بأنهم مجرمون، أو المساعدة على ذلك، فهو لا يجيز استخدام القوة بشكل يتعدى هذا الحد”)، وأيضا التناسبية، وأخيرا أن يكون استعمال القوة بقانون، ولا يوجد في عرف أو تشريع القانون الدولي شيء اسمه “مشادات”.

وتنص مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1988، في المبدأ 9 أنه “لا يجوز للسلطات التي تلقى القبض على شخص أو تحتجزه أو تحقق في القضية أن تمارس صلاحيات غير الصلاحيات الممنوحة لها بموجب القانون”، فهل القانون المغربي يمنح لحراس السجن “المشادات”؟

إذا كانت المادة 27 من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء تصر على انضباط المعتلقين فإنها تؤكد “يؤخذ بالحزم في المحافظة على الانضباط والنظام، ولكن دون أن يفرض من القيود أكثر مما هو ضروري لكفالة الأمن وحسن انتظام الحياة المجتمعية.” وفي حالة استعمال القوة بشكل قانوني ومسطري وليست “مشادات” فإنه “لا يجوز لموظفي السجون أن يلجأوا إلى القوة، في علاقاتهم مع المسجونين، إلا دفاعا عن أنفسهم أو في حالات الفرار أو المقاومة الجسدية بالقوة أو بالامتناع السلبي لأمر يستند إلى القانون أو الأنظمة. وعلى الموظفين الذين يلجأوا إلى القوة ألا يستخدموها إلا في أدنى الحدود الضرورية وأن يقدموا فورا تقريرا عن الحادث إلى مدير السجن”، وهذه المادة 54 من القواعد النموذجية هي مربط الفرص، التي تحيل إلى “الامتناع السلبي للأوامر” من قبل المعتقلين والتي على ضوئها وقعت “المشدات”.

ثانيا: سياق “المشادات”

حاول  بلاغ المجلس أن يؤكد “المشادات” التي رصدها عبر الكاميرات ناتجة عن “وقف امتياز كان قد منحه المدير السابق لسجن رأس الماء لأحد المعتقلين، كان يستفيد بموجبه بإجراء اتصال هاتفي يومي لمدة 30 دقيقة، بدلاً من المكالمة الأسبوعية التي تتراوح ما بين 6 و10 دقائق، المحددة وفقا للقواعد المعمول بها.”

في حين هناك روايات عديدة من قبل المتعلقين على لسان محاموهم وعائلاتهم، وأكيد أن المعقلين صرحوا بها أثناء “زيارة وفد المجلس الوطني لحقوق الانسان” ولكنها لم تدرج في البلاغ، وهي أنهم تعرضوا لمجموعة من الممارسات “العقابية” مباشرة بعد نشر ناصر الزفزافي لشريط صوتي يتحدث فيه بتفاصيل عن التعذيب الذي تعرض له، وهذا الشريط الذي قد يكون سبب وقف الامتياز الذي كان يحظى به حسب ما جاء في ملاحظات المجلس، الشريط الصوتي الذي هو أصل “سياق” ما وقع، وليس وقف “الامتياز”، الشريط الصوتي الذي يتماشى مع تقرير المجلس السابق حول التعذيب لم يذكر بالمرة في بلاغ المؤسسة. مما يوحي أنه عدم الإشارة إلى ذلك فعل مقصود من محرري البلاغ؟

إن السياق يؤسس لما بعده، وهو كالتالي حسب إفادات العائلات والمحامون، بعد نشر الشريط الصوتي لناصر الزفزافي، بدأت سلسلة من الإجراءات التعسفية ضد المعتقلين، تزامن ذلك مع مطالبتهم بمعرفة مال الشكايات التي قدموهالإدارة السجن، وطالبوا بحضور وكيل العام الملك للوقف على الوضع، ورفضهمالدخول لزنازنهم إلى غاية تلقي الأجوبة على مطالبهم.

إن السياق المجزأ  من قبل المجلس الوطني لحقوق الانسان يجعل حادث “المشادات” وقعت بعد وقف امتياز المكالمات لأحد المعتقلين ويهدف ذلك إلى رمي الحادث كله على عاتق المعتلقين وتحريفه عن أصله وهو التعذيب

أما  الواقع فإن السياق العام، يؤكد وجود توثر واحتقان داخل السجن بين إدارة السجن والمعتقلين وذلك على إثر نشر الشريط الصوتي، والمعتقلين في هذه الحالة، هم من في وضع هشاشة وضعف وتقتضي حمايتهم وليستحميلهم عواقب ما وقع.

ثالثا: مسطرة التأذيب والتأذيب

لم يتطرق بلاغ المجلس الوطني لحقوق الانسان نهائيا لمسطرة التأديب المنصوص عليها في القانون المغربي وفي المواد 29، 30 ، 31 من القواعد النموذجية لمعاملة السجناء، فهل احترمت المسطرة القانونية أم كان عقابا تعسفيا؟

ولكن المجلس تحدث عن “الزنزانات التأديبية التي لا تتوفر فيها الإنارة والتهوية” وأشار أنها لا تحترم مقتضيات المقتضى 31 من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء” في حين أن المادة 31 تمنع وتحظر مقل هذه الزنازين “العقوبة الجسدية والعقوبة بالوضع في زنزانة مظلمة … محظورة كليا كعقوبات تأديبية.”  (المادة31) ، فالقانون الدولي يطالب الدول بإلغاء هذه الزنازين ويعتبرها “تعذيب”، ولكن المجلس ارتأى لتخفيف لغة البلاغ ، اعتبر أنه “غير متلاءمة مع مقتضيات المادة 31” في حين أن الأصل أن هذه الزنازين مخالفة وضد حقوق الانسان، ولا تتطلب الملاءمة من قبيل الزنازين الانفرادية المنصوص عليها في المادة 30 من قواعد مونديلا، بل الحظر لان كل من دخل إليها هو في حكم “المعذب”.

رابعا: التكييف الحقوقي لما وقع

سجل بلاغ المجلس أن”المشادات” أسفرت عن “بعض الكدمات” بالنسبة للمعتقلين الاثنين وشهادات توقف عن العمل بالنسبة للحراس.

إن الحديث عن الكدمات بشكل عام، يهدف على طمس الكثير من الحقائق، هل الكدمات على مستوى الرأس أو في المناطق الحساسة؟ أو في الارجل أو الظهر؟ لكل موقع من الكدمات ما يؤكد مبدأ التناسب.

وإذا أنجزت لحراس السجن شواهد طبية للتوقف عن العمل، هل أنجزت في المقابل مثلها للمعتلقين؟ فأين المساواة ؟

وأخيرا يبقى السؤال، ما هو التكييف الحقوقي لما وقع للمعتقلين، سوء معاملة؟ معاملة مهينة؟ أولا إنسانية؟ أم أن الاثار عليهم نتيجة تعرضهم لاستخدام القوة “المشروعة” في إطار “مشادات”؟

هذا ما يجب أن يجيب عنه المجلس، وليس بكملة مختصرة: لا وجود لأثار التعذيب.

ختاما:

أولا:  إن المجلس حاول تغطية الشمس بالغربال، ومرة أخرى بأسلوبهالانشائي وليس الحقوقي، ويقنع مرة أخرى أنه وجد فقط من أجل تبييض وجه الأمن، وتبرير وشرعنة انتهاكاتهم.

أما التعذيب فهو كامن في جوهر بلاغ المجلس الوطني لحقوق الانسان، غياب الشرعية وغياب التناسب وغياب الضرورة…

ثانيا: وفي إطار دائما العبث بالقوانين المغربية، أشار بلاغ المجلس إلى “قام المجلس بإيفاد وفد نسق عمله رئيس اللجنة الدائمة المكلفة برصد انتهاكات حقوق الإنسان”، وتنص المادة  50  من القانون 76.15 المنظم لأشغال المجلس “يحدد النظام الداخلي للمجلس عدد اللجان الدائمة وأسماؤها واختصاصاتها، ومجال اشتغالها وتنظيم عملها” وتنص المادة 56 من نفس القانون “ينشر النظام الداخلي للمجلس في الجريدة الرسمية”…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى