ذاكرة

في رسالة جد مؤثرة وحزينة: علال الأزهر يرثي ويبكي رحيل عبدالواحد بلكبير

في الصورة علال ال.هر على اليسار والراحل عبدالواحد بلكبير وفي الوسط يوسف غويركات

يا اعز الرفاق

هل ابكي فراقك أيها الرفيق العزيز ام اكفكف دموعي لانك تكره البكاء وتعشق عزة النفس فالكبرياء النبيلة من شيمك الراسخة .

يا اعز الرفاق والأصدقاء لماذا طويت حلمنا وذهبت تاركا حرقة في القلب والوجدان وانت الرحيم دوما برفاقك، رغم انك انت البسيط القوي، والمتواضع المتكبر، توزع الابتسامة والالتفاتة على احبائك بدون حساب .

فقد نحتت اسمك بقوة في قلب معارك الحلم الجميل . كنت شعلة في حياتك مازالت تضيء الماضي والحاضر والمستقبل، فانت جزء من هذا الحلم الذي مازال يسكننا على الدوام .

وغيابك سيذكرنا باستمرار بضرورة استرجاع تلك الصورة النبيلة والإنسانية التي مازالت تفعل فعلها فينا،  صحيح اننا لم نحقق احلامنا ولكن يكفينا اننا عشناها في الفكر والوجدان، وما زلنا اكثر إخلاصا لذلك رغم شح الواقع وهروبه من بين أيدينا بخلاف ماضينا الذى تلألأ ا فيه نجمك الساطع .

تحضرني في غيابك القاهر هذا لحظتان من سلسلة اللحظات الفارقة في حضورك القوي في التعبير عن الرأي والانتصار للموقف: اللحظة الأولى بمناسبة تحضير الطلبة الاتحاديين للمؤتمر الثالث عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب سنة 1969 بمقر الحزب بباب الحد، وكنت انت آنذاك عضوا فعالا في حلقة فاس الماركسية بالرباط، واسمح لي ان اذكرك بمآل أعضائها فقد تفرقت بهم اليوم السبل والاقدار فرفيقين غيبهما الموت [كوار الحسين وحمامة بوعبيد]، اما المريني فقد ذهب حيث ذهب، والطالبي مازال يعانق الحلم بإصرار ، أما مسداد فهو يحلم في مكان آخر ، أما أنا فما زلت احلم في مكاني المعزول اليوم وأعزيك بحرقة، واعتذر لك في نفس الوقت عن هذا الحشو ” النوستالجي ” لتلك المرحلة.

وأعود الى اللحظة الأولى، فقد كانت الجلسة الحزبية في اطار لجنة ” فلسطين والشؤون العربية “، وبحضور الشهيد عمر بنجلون لإقناعنا بصحة الموقف المصري من الصراع العربي – الإسرائيلي .

كنا نعارض موقف مصر في الاتفاق على مشروع روجرز متأثرين بموقف الجبهة الشعبية والديمقراطية ، انبريت أنت للدفاع عن الموقف بما عرف عنك من حماس ومصداقية وبصوت جهوري، وكأنه مازال صداه القوي يتردد في ذاكرتي، كان جرح فلسطين ينزف في قلوبنا آنذاك.

عندما خرج الشهيد عمر بن جلول من الاجتماع سأله اليازغي عن نتيجة اللقاء فلم يتردد في القول ” دهدو ريوس لحجر ” وفي هذا المؤتمر الطلابي، الذي استكمل جزءه الثاني بالدار البيضاء بعد انسحاب التحرر والاشتراكية، اعتبرنا قضية فبسطين قضية وطنية في ملتمس صدر عن المؤتمر بعنوان “ملتمس حول فلسطين، فقد سحبناها من هناك واحتضناها بين ظهراننا بكل ايمان وتفان .

المناسبة الثانية: ففي خضم المعركة الطلابية الشهيرة الطويلة الأمد في الرباط سنة 1970 ، احتجاجا ورفضا لفرض التجنيد على الطلبة، كنت انا مسؤول في لجنة الفلاحين السرية التابعة لمنظمة 23 مارس التي تأسست في نفس السنة ومسجل بكلية الآداب بفاس، ولكنني انخرطت في معركة الرباط، وكنت انت بمثابة نحلة دائبة الحركة في الدعوة للمواقف التي تناسب صيرورة الحركة وتصاعدها، هل يحق لي ان اخاطبك وقد غيبك عنا الموت اللعين؟ أخاطبك وكأنك حاضر بيننا الان حي ترزق.

فلاشك أنك تذكر، من بين نضالاتنا العفوية وحتى الغبية أحيانا، القرار الذي اتخذناه عقب اعتقال بعض أعضاء اللجنة التنفيذية في مظاهرة الأمس بالاعتصام بالمحكمة الابتدائية والمطالبة بإطلاق سراحهم، ولم يخطر ببالنا قط اننا ذهبنا الى ” حتفنا ” بظلفنا حتي طوق البوليس المحكمة وأغلق كل أبوابها وترك بابا واحدا، أوقف امامه مباشرة سيارة الشرطة الكبيرة وبدأ يحشرنا فيها كالأغنام . اعتذر لك عن هذه الاوصاف فقد كنا آنذاك، رغم ذلك، نحس بحرارة النضال في اجسامنا وعقولنا ولا نبالي.

وكنت انت تستهزئ بصوت عال بمكر البوليس وتحبط شعورهم بالانتصار ، قادونا الى الكوميسارية سنترال بالرباط، كنا حوالي اربعين طالبا وقليل من الطالبات من بينهم اخت “ديفيزيونير” الرباط المنتمية لحزب التحرر والاشتراكية، رموا بنا في ” لكاب الكوميسارية ” الواسع الارجاء والمقسم من بعض الجهات بحاجز خشبي عال وكانت ارضيته مبلطة بإسمنت بارد.

أما  الطالبات فقد ادخلن الى مكان قصي في لكاب مغلق، قضينا الليلة الأولى نقاوم البرد القارس،  وفي الصباح اقترحت انت ان نهدم الحاجز الخشبي ونصنع منه “فراشا ” نحتمي به من البرد، وكنت من المبادرين المتحمسين لعملية الهدم وكأنك تقول نحن لا نستكين أينما كنا نناضل ونقاوم .

مكثنا يومين او ثلاثة بدون أكل. كانت الحركة الطلابية مازالت متواصلة في الخارج، بل أكثر من ذلك سنعرف فيما بعد ان الطلبة قد استولوا على المطعم،  كما ان جريدة العلم التي سربت إلينا نشرت خبر اختطاف أربعين طالبا .

في اليوم الرابع فوجئنا بوصول وجبات الأكل من المطعم بعد يوم آخر شبعنا فبدأنا نفكر في مصير ومستقبل وجودنا هنا.

وكنت أنت من بين الذين بدأوا يفكرون في القيام بإضراب عن الطعام والمطالبة بإطلاق سراحنا،  بعد نقاش ومشاورات تم الاتفاق علي القيام بإضراب من أجل انهاء هذا الاحتجاز، ولم يجد المسؤولين من البوليس بدا من إطلاق سراحنا بعد ان جهزوا محاضر مفبركة للتوقيع .

بعد الإفراج وصلنا ألى الحي الجامعي والمطعم، لقد كان استقبالنا من طرف الطلبة بحماس وكأننا عدنا من غزوة هزمنا فيها الأعداء، وكانت هناك لحظة عاطفية تثير المشاعر لا يمكن نسيانها وهي عندما هرع الطلبة ليرفعونك أنت وحدك على أكتافهم كقائد عاد منتصرا على الأعداء،  دخلنا المطعم فوجدناه معدا بشكل منظم لاستقبالنا ، لم تخفت الحركة ولا توقفت بل اكثر من ذلك عندما عقد تجمع لتقييم الحركة وقد وصلنا الى نهاية السنة الدراسية وبداية العطلة كان هناك من مازال يطالب بالاستمرار في الاضراب ؟؟ .

يا أعز الرفاق والاصدقاء أنت أكبر من هذه الأحذاث والوقائع، فقد كنت لوحدك حدثا عظيما في هذه المسيرة التي جمعتنا . لا أريد رفيقي العزيز أن اذكرك بالعلاقة الحميمي التي جمعتنا منذ تعرفت عليك رفقة رفاق آخرين، يكفيني الآن  أنني أحمل لك كل الحب والتقدير زالإكبار،  نم قرير العين إلى أن ألتحق بك .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى