غادة السمان تكتب: فك الارتباط بين الإجرام والإسلام
هذا (سيناريو) يتكرر في فرنسا باستمرار. ها هو رجل من ضاحية (فيلجويف) الباريسية ـ تبعد 7 كم عن قلب باريس ـ يدخل في دين الإسلام، فيحمل سكيناً ويذهب إلى حديقة عامة في (فيلجويف) لقتل أول من يجده. وجد رجلاً. كاد يطعنه وهو يصرخ: الله أكبر! كان الرجل مسلماً وأثبت ذلك لمن كان سيقتله بقراءة الفاتحة. فتركه القاتل ومضى لقتل امرأة دافع عنها زوجها فمات طعناً وجرحت، كما جرحت شابة مرت به، وتصادف أنها كانت تمارس رياضة الركض في الحديقة، هذا قبل أن تقتله قوى الأمن!
قتل زملاءه في مركز الشرطة الباريسي
هذه الحادثة تتكرر باستمرار على نحو ما، فقد تبين أن قاتل (فيلجويف) كان قد دخل في الدين الإسلامي قبل ثلاثة أعوام.
وقبل أشهر قام أحد العاملين في مركز الشرطة الرئيسي في باريس بطعن العديد من زملائه وقتلهم، صارخاً: الله أكبر. وكان أيضاً قد دخل في الدين الإسلامي قبلها بأعوام قليلة.
وحوادث القتل بإسم الإسلام في فرنسا صارت كثيرة وتتحدث الصحف عنها باستنكار كبير طبعاً. والمروع في الأمر هو انعكاس هذا الإجرام على تعامل الفرنسيين مع المسلمين منهم
ولن ننسى ذلك «المتأسلم» الذي قتل كاهناً مسيحياً في كنيسته وهو يؤدي الصلاة، وحوادث إطلاق الرصاص على الناس في ملهى الباتكلان حيث قتل عشرات الساهرين.
«الإسلاموفوبيا» وكراهية المسلم
لنعترف: ما ذكرته سابقاً ومثله كثير هو بمثابة «فيتامين» للإسلاموفوبيا؛ أي كراهية المسلمين في فرنسا والغرب عامة، فالإنسان يكره ما يخيفه ويؤذيه.
أما الثمن فيدفعه ملايين المسلمين الأبرياء في الغرب الذين يمارسون دينهم الإسلامي الحنيف، دين السلام (وتحيته: السلام عليكم) وليس «الموت لكم»، ويحزنهم أن صيحة (الله أكبر) صارت تعني الإيذان بقتل شخص ما أو أكثر!..
وقد ذهب «ممثلو مسلمي فرنسا» للقاء رئيس الجمهورية السيد ماكرون، وشكوا له من «انتشار كراهية المسلمين»، ولكن تبين من استطلاع للرأي في أسبوعية (لو جورنال دو ديمانش) الباريسية، أن 80 في المئة من الفرنسيين يريدون حظراً كاملاً لكل ما يرمز إلى ديانة ما بشكل علني في الأماكن العامة (أي الحجاب مثلاً).
تشويه صورة المسلمين.. ولكن..
يقف المسلمون ضد تشويه صورتهم الذي يؤدي أحياناً إلى الاعتداء على المساجد كردة فعل. كذلك الثمانيني الذي حاول منذ أسابيع إحراق جامع في جنوب فرنسا.. ولكن أول من يشوه صورة المسلم هو أفعال بعضهم؛ أي قتلهم لعابري السبيل أو زملاء العمل بذريعة الإسلام. لي صديقة محجبة سألها طبيبها: هل أنت مسلمة؟
كانت تضع على رأسها (إيشارب) يمكن أن يكون حجاباً أو لحماية رأسها من البرد الباريسي القارس. وقالت لي بخجل إنها كذبت، كانت قد أجابته: لا، لست مسلمة.
وأضافت أنها خشيت ألا يهتم بمعالجتها إذا علم أنها مسلمة! أي أن تدفع ثمن جرم لم ترتكبه، هو قتل البعض للأبرياء بعدما «تأسلموا»، فالمختل المتأسلم الذي قتل رجلاً وجرح امرأتين أعطى شحنة (فيتامين) للإسلاموفوبيا!
المحجبة تدفع الثمن
تأثر كل من شاهد على شاشة التلفزيون في فرنسا تلك الأم المحجبة التي (أمرها) أحد ممثلي حزب التجمع الوطني المتطرف بخلع حجابها أو مغادرة قاعة اجتماع مجلس محلي في إحدى المدن الفرنسية، وكرر ذلك مرتين، فما كان من ابنها (حوالي تسع سنوات) إلا أن بكى حرجاً، وشاهدنا أمه تواسيه وتقبله، مما أثار تعاطف المشاهد معها وطفلها. وكثيرون ينفرون من قمع المسلمات والمسلمين ومن حملة (عاقب مسلماً)، حتى أننا شهدنا في باريس تظاهرة للتضامن مع النساء المسلمات من ضحايا (رهاب) الإسلام.
الإنسانية الحقة والدين الإسلامي
لن تشفى أوروبا من «الإسلاموفوبيا» إلا حين يعود «المتأسلمون» عن إجرامهم إلى روح الإسلام الذي لم يحرض مرة على قتل الأبرياء لمجرد أنهم ليسوا من المسلمين. والسؤال هو: أولئك الذين يدخلون في دين الإسلام في الغرب، من يلقنهم تعاليمه؟ شيخ الجامع؟ لا أعرف شيخاً مسلماً حقاً يوصي الداخلين في الدين الإسلامي بأن من مهماتهم قتل الآخرين في جرائم تثير النفور من الدين الإسلامي الحنيف. أم أن بعضهم يتلقى تعاليم الدين الإسلامي على (الإنترنت)؟ أنا أميّة في استعمال الإنترنت، ولكنني أتمنى على الراسخين في التعامل معه الإطلاع على ما يتم (تدريسه) في مواقع مختلفة، حول تعاليم الدين الإسلامي.
جارتي الفرنسية من أصل جزائري، ارتدت الحجاب لفترة ثم خلعته. وسألتها بدافع الفضول لماذا؟ فقالت لأنهم صاروا يعتدون عليها في قطار الأنفاق لأنها مسلمة.
«المتأسلمون» يسببون الأذى لملايين المسلمين بانتشار موجة (الإسلاموفوبيا)، ولعل من أهم مهمات رجال الدين الإسلامي اليوم فك الارتباط بين الإسلام والإجرام.
احترام «الآخر» و«دار الإفتاء المصرية»
قلائل في الغرب يعلمون أن الدين الإسلامي يطالب بمنع هدم الكنائس وترويع أهلها، وكنت أتمنى ترجمة ما نشرته «دار الإفتاء المصرية» على موقعها، إلى الفرنسية، مذكرة بأن هدم الكنائس اعتداء على ذمة الله ورسوله، وبأن ترويع الناس ضد تعاليم الإسلام، وقرأته في صحيفة عربية.
وجاء أيضاً في بيان الإفتاء المصرية: «الإسلام دين التعايش، وكل تعاليمه لا تعرف الإكراه ولا تقر العنف».
ليت الذين يوهمون الداخلين في الإسلام أن عليهم حمل سكين وقتل الآخر يعلمونهم المبادئ السامية لذلك الدين الحنيف.
المصدر: القدس العربي