فتوى بوليف وتواطؤ إخوان المغرب ولو ضد مصالح وطنهم
أثارت فتوى نجيب بوليف ــ الوزير السابق والمُعفى لضعف كفاءته ــ حول ربوية القروض المخصصة لدعم المقاولين الشباب بأدنى نسبة للفائدة، ومن ثم تحريمها، جدلا سياسيا بحكم موقع الشخص المفتي داخل الحزب الذي يقود الحكومة وكذا مسؤوليته السابقة في تدبير الشأن العام من داخل الحكومة. فهو ليس شخصا عاديا يمكن تجاهل فتواه، بل مسؤول حزبي وسياسي لا تأتي تصرفاته من فراغ. ويمكن إبداء الملاحظات التالية حول هذه النازل:
1 ــ إن بوليف ليس مفتيا ولا عضوا بالمجلس العلمي الأعلى حتى يصدر فتواه في قرار ملكي يهم دعم آلاف المقاولين الشباب لخلق مشاريعهم وتحقيق أحلامهم, وهو بهذه الفتوى تطاول أولا، على اختصاصات المجلس العلمي الأعلى الذي تُخول إليه صلاحية الإفتاء خصوصا وأن الموضوع لا يهم حالة فردية بل يتعلق بالمصلحة العامة ؛ وثانيا يتوخى استهداف المبادرة الملكية بغرض إفشالها وحرمان آلاف الشباب من الاستفادة من تمويل مشاريعهم وخلق مقاولاتهم, أي وضع نفسه ضد الإرادة الملكية التي تروم النهوض بأوضاع الشباب ودعم فرص التنمية، وضد أحلام وطموحات الشباب التواقين إلى الانخراط في دينامية التنمية وتطوير الذات والموارد، وضد مصلحة المجتمع الذي يعاني الفقر والبطالة.
2 ــ تواطؤ الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة ويشرف على تنفيذ هذه المبادرة الملكية لفائدة المقاولين الشباب مع بوليف بحيث لم تصدر أي بيان أو بلاغ أو موقف رسمي بخصوص فتوى بوليف التي هي ليست رأيا شخصيا أو موقفا يخص الشخص ذاته، بل “فتوى دينية” تُلزمه وتلزم هيئتيه الحزبية والدعوية معا. ولعل سكوت الأمانة العامة في موضوع الفتوى ليس له من دلالة سوى الإقرار بها و”بشرعيتها”. كما أن إحجامها عن إصدار بيان في الموضوع خصوصا وأن بوليف ــ كقيادي في الحزب ــ أقحم الدين في السياسة، يجعل الحزب وقادته في خرق صريح لقرار الملك الذي حمله خطاب العرش لعام 2004 حين حسم في عدم إقحام الدين في السياسة كالتالي ( وإن إصلاح الحقل الديني لا يستهدف فحسب التكامل مع الحقلين التربوي والثقافي
وإنما ينبغي أن يشمل كذلك إصلاح الحقل السياسي، الذي هو مجال الاختلاف الديمقراطي، وهو ما يقتضي أن يكون العمل السياسي بعيدا عن إقحام الدين فيه، لقدسية مبادئه المنزهة عن نوازع التفرقة، بسد الطريق أمام توظيفه السياسوي المغرض، فالسياسة والدين، في نظام الملكية الدستورية المغربية لا يجتمعان إلا في الملك أمير المؤمنين، حريصين في تقلدنا لهذه الأمانة العظمى على أن تزاول السياسة في نطاق المنظمات والمؤسسات والفضاءات الخاصة بها، وأن يمارس الشأن الدين داخل المجالس العلمية والهيآت المؤهلة والمساجد وأماكن العبادات). فتوى بوليف هي إقحام للدين في السياسة.
3 ــ تكريس التداخل بين الدعوي والحزبي في ممارسة مسؤولي حزب العدالة والتنمية, الأمر الذي يبهت مزاعم “التمايز” بين الدعوي الذي تختص به حركة التوحيد والإصلاح وبين السياسي الذي يتولاه حزب العدالة والتنمية, فبوليف تحمل مسؤولية الوزارة وهو قيادي بالحزب لكن يفتي في السياسية, لهذا، فما سبق الإعلان عنه في المؤتمر الأخير لحركة التوحيد والإصلاح أو المؤتمر السادس لحزب العدالة والتنمية من السعي إلى تحقيق التمايز بين الهيئتين في مجال اشتغالهما ليس سوى شعار للاستهلاك وللتحايل على بنود الدستور والقانون المنظم للأحزاب, والممارسة اليومية للهيئتين تثبتان التداخل بينهما، بل وهيمنة الحركة على الحزب وتدخلها في الشأن الحكومي,
4 ــ تناقضات بوليف يوم كان عضوا بالحكومة وحين أبعِد منها, إذ طيلة عضويته بالحكومة لم يحدث أن ارتدى جبة الفقيه ليواجه قرارات رئيسها بالاستدانة من الدوائر المالية العالمية حتى أغرق البلاد بالديون التي تجاوزت 92% من الناتج الداخلي الخام، ورهن بذلك مستقبل الشعب بيد تلك الدوائر, فأين كان بوليف الفقيه من بوليف الوزير الذي بلع لسانه وساند قرار الحكومة باللجوء إلى القروض “الربوية” ؟ وهل كان يجهل الأحكام الفقهية التي يستند إليها اليوم في تحريم الفوائد البنكية ؟ أم أن الفتوى تدور مع المصلحة الذاتية وجودا وعدما ؟ كان من المفروض في بوليف، وهو عضو بالحكومة حينها، أن ينبه أعضاءها إلى حرمة القروض الربوية ويقدم إليهم الحلول المناسبة لمواجهة العجز في الميزانية مثل تخفيض الأجور العليا وحذف تقاعد الوزراء والبرلمانيين وإلغاء الامتيازات لجميع موظفي الدولة وضبط النفقات ومحاربة الفساد المالي والإداري والاقتصادي ومصادرة الأموال والممتلكات المتراكمة من النهب ومحاكمة الفاسدين واسترجاع الأموال المنهوبة.
التناقض الثاني أن بوليف، وحسب ما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي، اقترض من البنك التقليدي بفوائد”ربوية” لاقتناء ڤيلا خاصة به, الأمر الذي يطرح السؤال عليه حول “الضرورات” التي أباحت له “المحظورات” ومكّنته من الاستفادة من القروض “الربوية” التي يحرّمها على المقاولين الشباب ؛ علما أن اقتناء ڤيلا ليس بنفس “الضرورة” والمنفعة مقارنة مع إقامة مشروع إنتاجي أو مقاولة لمواجهة الفقر والبطالة.
التناقض الثالث أن بوليف يحرّم قروض الأبناك التقليدية ويشجع على قروض الأبناك التشاركية التي لم يلجأ إليها هو نفسه، وفي نفس الوقت يقرّ، في مقالة له (أن المنتوجات المقدمة من طرفها ( الأبناك التشاركية) لا زالت قليلة و ضعيفة لم ترق بعد للاستجابة لمختلف حاجيات الزبائن، وتبقى مركزة على الجوانب التجارية كالبيع بالمرابحة). ليعلم بوليف وإخوانه أن السياسة علم مستقل عن الفقه الإسلامي وفتاوى شيوخه التي أفتوى بها فدمروا شعوبا وخرّبوا أوطانا ثم اعتذر بعضهم وتراجع عن ضلاله وتضليله, وليس من العلم ولا من المنطق ولا حتى المصلحة أن نربط مصير شعب بفتوى شيخ حتى ولو اجتمع كل الشيوخ والفقهاء. فجميع هؤلاء اعتدوا على التحريم منذ قرون دون تقديم الحلول والبدائل. وكم ممارسات حرّموها فاضطرهم الواقع المجتمعي والحضاري إلى إباحتها.