كورونا: لنترك الأرقام تتحدث عن نفسها ..
بمجرد تصفح المعطيات الكمية المتصلة بمؤشر عدد الإصابات المؤكدة التي يتم الكشف عنها وإعلانها تباعا، وتطورها في الزمان تبدو الصورة أمامنا على نحو ما يلي ،
– لقد كان عدد الاصابات المؤكدة صباح يوم الاثنين 23 مارس في حدود 122 حالة مع 6 وفيات، مقابل 108إصابة إلى نهاية يوم الاحد 22 مارس، ليرتفع العدد عند آخر تحيين مساء نفس اليوم إلى 143 حالة…
– ومع إعلان تحيين يوم 25 مارس يمكن لأي ملاحظ أن يلمس تسارعا نسبيا لوتيرة تزايد عدد الاصابات المؤكدة، بان ارتفع العدد إلى 225 حالة مع بقاء عدد الوفيات على حاله، وهذا الاتجاه سيتأكد بوضوح مع توالي الايام فيما بعد..
– ثم مع حلول مساء الخميس 26 مارس، كان عدد الاصابات قد ارتفع إلى 275 حالة مؤكدة مع 10 وفيات …
– ثم تواصل الارتفاع ليصبح العدد يوم الجمعة 27 مارس، 345 إصابة مؤكدة، ومعها 23 من الوفيات،
واذا ما نحن أخذنا بالاعتبار وتيرة التزايد في عدد الإصابات خلال الأيام القليلة الماضية، يغدو سهلا الاستنتاج بان العدد قد يتخطى بسهولة عتبة الألف إصابة مؤكدة في ظرف أسابيع معدودة، وعندها ستبدأ الأمور في التعقد يوما بعد أخر ، ما لم تكن آخذة في التعقد من الآن..
وإذا ما كانت نسبة الوفيات بالقياس الى عدد الإصابات المؤكدة تبدو مرتفعة عندنا وتزيد على 6.50 ٪، فلأن “الديبستاج” غير معمم عندنا، الشي الذي يبقي عددا كبيرا من حالات الإصابة غير مشمولة بالاحصاء، كما في حالة إيطاليا، أو اسبانيا، أو فرنسا …إلخ، وهو وضع يختلف بالقياس إلى الدول التي تأخد بتعميم “الديبستاج” على نطاق واسع على غرار التعاطي الصيني، أو كوريا الجنوبية، أو ألمانيا، أو سنغفورة مع ما يسمح به هذا النهج من إمكانيات احتواء الوباء قبل اجتثاثه نهائيا، وبالنتيجة إتاحة إمكانية سحب المصابين من وسط الساكنة في وقت مبكر …
صحيح أنه يجدر بنا أن ننتظر بضعة أيام قبل أن نبدأ بتلمس مفعول حالة الطوارئ الصحية، وما إذا كنا نسير نحو عكس اتجاه أعداد الاصابات أم لا، لكن لا يجب ان يغيب عن بالنا للحظة ان الخطر داهم على نحو كبير جدا، ومن غير المسموح به التراخي أمامه، أحرى أن يسمح أي شخص لنفسه بالتحرك ضد الجهود المبدولة للسيطرة على الوباء،
لذا يجب التعود، ومنذ الان، على مواكبة الاجراءات الجاري العمل بها بالتقييم الحثيث والمباشر بمنأى عن إي تبخيس أو تشكيك في الجهود الكبيرة الجارية من طرف الهيأة الطبية أو من طرف السلطات الإدارية، سيما وأن الامر يتعلق بحالة جديدة بالنسبة للعالم أجمع، وما من جهة كانت تحتمل هذه الضراوة الغير المسبوقة التي أبان عنها الفيروس من حيث قدرته الفائقة على التمدد وسرعة الانتشار …
لكن حتى ونحن نشيد بدرجة الفعالية التي أبانت عنه دولتنا في إدارتها لمخاطر انتشار الوباء حتى اليوم، فإن ذلك لا يتعارض وتسجيل مجموعة من الثغرات التي اعترت تجربة الفترة الماضية، وبينها ما يعود الى المجتمع نفسه وكان يمكن ان لا نشهدها، وخاصة ما تعلق من ذلك ببعض المجازفات المرضية التي يستنتج منها أن ثمة بيننا من لا يريدون للحجر الصحي أن ينجح في تحقيق غاياته، ولا للدولة ان تواجه الوضع باقتدار وبنجاعة، وهؤلاء أبانوا بألف طريقة بأنهم يفضلون لو تفشل البلاد أمام الجائحة مهما تكن التكلفة، على أن نتمكن من التعافي منها، الأمر الذي لربما يجد تأكيده في تنشيط فبركة الإشاعات ونشر الأخبار الزائفة لترويع الناس..
وللأسف فإن الخصاص الاجتماعي المتراكم وحالة الفقر والهشاشة، إذا ما أضيف إليها غياب الوعي بمخاطر الوباء لدى فئة عريضة من الناس، أصبحت توفر حاضنة للفكر التكفيري بما يشمل العفوي منه، وصولا أحيانا إلى التمرد الصريح ضد إجراءات الدولة وكأن المراد هو محاولة كسر هبتها..
وهذا لا يعني أننا نتجاهل التحسن الملحوظ في سلوك الأغلبية الشعبية خلال الأيام الأخيرة على الاقل..
وبالمقابل فالاجرءات المتخذة على اهميتها هي أيضا لا تزال تشكو من بعض الثغرات، فالأولوية اليوم هي للعنصر البشري، وتجربة البلدان الأوروبية ليست نموذجا في شيء حتى نقيد أنفسنا بمحاولة احتذائها، ولا هي يمكننا أن ننتظر منها الشيء الكثير في هذه الظروف، بل ولربما كان ذلك النموج في أماكن أخرى بعيدة، هذا ما لم نذهب إلى أن التجربة الوطنية التي يتم بناؤها بعناء كبير يوما بيوم لهي أكثر فائدة ونجاعة حتى هذه اللحظة، وذلك بالرغم من الخصاص الكبير على مستوى الإمكانيات والمعدات، الامر الذي سينعكس لا محالة على أداء إدارات الدولة، وعلى المنظومة الصحية بالخصوص في القادم من الايام، ما يستوجب التهيؤ من الأن لأسوء الاحتمالات، ولم لا تعويض الخصاص القائم من مصادر أخرى باستثمار الاستعداد المعبر عنه داخل شعبنا …
وأول ما يمكن البدأ به في تقديري المتواضع، هو تقييم اجراءات حالة الطوارئ الصحية، وما إذا لم يكن يتعين تعزيزها بفرض الحظر الشامل على الحركة وإغلاق كافة المؤسسات الإنتاجية التي لا زالت تواصل نشاطها، والاحتفاظ فقط بالمؤسسات ذات الصلة بالخدمات الضرورية أو بتمويل السوق بالحاجيات التموينية الأساسية مع الرفع من نجاعتها بتوكيل الجيش بعدد من المهام المتعلق بتموين الاسواق، مع الحرص الشديد على احترام إجراءات السلامة للعاملين بمحاربة الوباء على امتداد سلسلة الانتاج والتسويق وفرض احترام الحظر الصحي، .
ثم لا معنى تماما لأن تظل حركة النقل متواصلة في ربط المدن ببعضها أو بالجماعات والمراكز المحيطة بها ، فيما كان المطلوب من البداية ان يمنح الناس أياما معدودة لاختيار أماكن الاعتكاف خلال مدة الحجر الصحي وبعد ذلك يتم توقيف حركة التنقل الداخلي كلية، سيان بالنسبة لحركة التنقل بين المدن أو بين المراكز القريبة منها، أو بينها وبين البادية،
كذلك لا يمكن الاطمئنان إلى التزام المصابين بإجراءات الحجر داخل منازلهم، الأمر الذي يستوجب من الدولة استباق الاحتمالات بوضع يدها على أي مكان يصلح مأوى بما يمكن من سحب المصابين من أوساط الساكنة بمجرد اكتشاف أنهم يحملون الفيروس لمتابعة حالتهم ما بين أماكن الإيواء وبين المستشفيات بالنسبة للحالات التي تخضع للعلاج، والنظر في أسلوب المتابعة، وما إذا لم يكن يتعين الاستعانة بجيش من المتطوعين بمراعاة شروط معينة، لأنني شخصيا أعرض نفسي لهذه الغاية متحملا المسؤولية الكاملة في التبعات.
ثم اخيرا وليس آخرا، فالطريقة التي تمت بها عملية تسليم مطبوعات الترخيص للخروج الاستثنائي لا تبعث على الاطمئنان، وهو ما ينسحب أيضا على تواجد وتحرك القوات الأمنية بالشارع، في غياب الانضباط لإجراءات السلامة وتعريض أنفسهم لمخاطر هم في غنى عنها، على غرار الدخول وسط الحشود، أو تجاهل مسافة الأمان فيما بينهم، او تبادل أشياء أمام الكاميرات، وكأنهم لا يعيرون بالا لكونهم في الخطوط الامامية من المواجهة مع الوباء..
فهل نبالغ إن نحن قلنا بانه لا يمكن لهؤلاء الجنود الموجودين على الخط الأول من المعركة أن يحموا المواطنين الموضوعين في عهدتهم ما لم يحرصوا بالقدر نفسه على حماية أنفسهم…
على أن حجر الزاوية في المواجهة الجارية مع الوباء، ولو لمجرد التحكم في وتيرة تزايد أعداد المصابين، وبما يحافظ على مواصلة النظام الصحي لمهامه، هذا كله أصبح يتوقف على الانضباط التام من طرفنا نحن المواطنين لإجراءات حالة الطوارئ، وشعور كل واحد منا بأنه بالقدر الذي يحمي به نفسه، فهو يحمي معه الآخرين والعكس بالعكس..