رأي/ كرونيك

كورونا والرعب المجاني..

عبد الرحمان الغندور

لا يرعبني الموت كما يمليه ويفرضه فيروس كورونا الذي يتربع الآن على عرش حياة الناس. لأني عشت رعب تجربة الموت، مرة أولى حين نجوت من حكم بالإعدام أو السجن المؤبد، بعد قيادتي لمظاهرة تساند انقلاب الصخيرات، في التاسع من يوليوز 1971.

( ولأسباب النجاة قصة أخرى كانت بطلتها والدتي رحمها الله، الشريفة العلوية الاسماعيلية للا زينب، التي تدخلت بكل ثقل نسبها، لدى أخت الملك محمد الخامس، وعمة الحسن الثاني، الأميرة للا زينب المقيمة بمكناس، والتي كانت والدتي من بين الشريفات المؤنسات لها. فصدر في حقي عفو بدون محاكمة. )


ونجوت من الموت لاحقا في حوادث سير قاتلة وبالتالي انمحى رعبه من أحاسيسي ومشاعري لأني أعتبر نفسي منذ تلك الحالات المرعبة أعيش زمنا فائضا لعمر كان من المفروض ان ينتهي قبل هذا الزمن.


لكني الآن أعيش الرعب الذي يسكن عيون الناس وسلوكاتهم الأنانية، وهم يحاربون الموت في الأسواق العامة، وفضاءات التسوق الكبيرة والمتوسطة والصغيرة. بالتهافت على السلع والبضائع بنوع من الجشع القتالي والافتراسي، الذي قد يصل إلى قتل الآخر، ويجعل الشخص من الفئات المتوسطة خاصة، التي لا زالت لها بعض القدرة على التسوق والتبضع، لا يرى إلا نفسه، متنكرا لكل قيم التضامن التي تفرضها الظرفية. وما بالك بالفئات ” الرثة ” أو المصابة بداء الهشاشة، أو تلك التي تعاني من أوبئة ما تحت عتبة الفقر.


مجتمعنا مصاب بأوبئة أفظع من فيروس كورونا والكوليرا والطاعون والطيور والخنازير وغيرها، هذه الأوبئة التي تعيش معنا كامنة في انتظار أي ظرفية ملائمة لتعلن عن نفسها بالشكل الذي يدمر كل شيء….إضافة إلى الأوبئة الظاهرة التي نعايشها كل يوم في الفساد والنهب وانعدام المسؤولية وفقدان الحس الوطني.


نحن ضعاف على جميع المستويات، اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، ونحن أيضا ضعاف أخلاقيا وسلوكيا ونفسيا وثقافيا.
قد نتسوق اللقاحات والأمصال التي تقاوم الأمراض الفروسية والميكروبية…لكننا لن نستطيع أبدا أن نتسوق لقاحات ضد تخلفنا المركب، ما لم نجعل على رأس الأولويات، إعادة بناء منظوماتنا الثقافية والاخلاقية والمجتمعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى