بونيت يكتب: شعبنا “القاصر” حرسه الله…وحديث عن الفايد وأمي نعيمة وأشياء أخرى…
المشهد الأول:
لا أتفق بتاتا مع الدعوى التي قيل إن طبيبة رفعتها ضد محمد الفايد على خلفية نشاطه التواصلي المتعلق بنصائحه في التغذية، وما تفرع عن ذلك من مزايدات يتحمل طرفا السجال معا مسؤولية ما عرفته من انحرافات، مهما كانت المبررات التي سوغت هذه الخطوة، وأختلف مع من ساند هذا المسار.
لا نية لدي للانخراط في اي تعليق على ما يدور في الموضوع من دعم او تسفيه.. أكتفي بشرح مختصر جدا لوجه اعتراضي على مسار التوجه الى القضاء في مثل هذه المواضيع.
مهما قيل في تسويغ الخطوة، بل وفي تأجيج الحملة من أساسها، فالموضوع يظل في أصله وفرعه متعلقا بنطاق التواصل والتعبير والحرية التي ينبغي ان يغار عليها الجميع في هذا الباب. هذا بلا زيادة ولا نقصان هو التكييف الذي ينبغي ان نحرص على بقاء الموضوع في نطاقه، بغض النظر عما نحن مختلفون فيه. لا نملك فائضا من حرية التعبير وهوامشها حتى نسمح لأنفسنا بتبديده بأيدينا ذات اليمين وذات الشمال، والحال اننا لحد الآن ما زلنا نكابد من أجل ترسيخ هذه الحرية كحق انساني غير مشكوك في جدارتنا به.
لا أريد لقضاء بلدي ان يصير مرتعا لدعاوى الحسبة السيئة الذكر، التي عانى من تبعاتها وويلاتها، مثقفون مصريون وعرب كثر (طه حسين، نجيب محفوظ، سيد القمني، نصر حامد ابو زيد، مارسيل خليفة.. واسماء أخرى اقل شهرة). ولمن يساند هذه الخطوة اليوم أقول: لا تنس ان الدوائر تدور، وغدا ستصير السابقة طريقا سالكا لإسكات كل مخالف، من المعسكر الذي تدافع عنه انت اليوم.
إذا قبلنا مثل هذه المبادرة الآن فلن يكون بمقدورنا ان نرفضها غدا حين تستعمل ضد من نظن انه جدير بتأييدنا. القول إن سجالا يهم افكارا او اقوالا، مهما بلغ حماسنا لهذا الطرف أو ذاك منه، ينبغي ان نحله أمام القضاء، وان ينبري لذلك أشخاص ينصبون انفسهم نوابا عن المجتمع(محتسبين) دون ان يوكل لهم احد هذه التمثيلية، خاصة وأن القضية التي يصطنعونها لا تعنيهم مباشرة ولا صفة لهم فيها إلا من حيث موقفهم الفكري، هذا في تقديري أمر يهدد مجمل مناخ التعبير في بلدنا، في كل القضايا وبدون استثناء.
المشهد الثاني:
لا أقبل ما جرى بخصوص ما يعرف بقضية “أمي نعيمة” وانتهى بالحكم بسجن المعنية فيها لمدة سنة بتهمة نشر أخبار كاذبة وعدم تنفيذ أوامر السلطة العمومية. توجيه هذه التهمة بالذات لتلك السيدة (بغض النظر عما قد أكون جاهلا به من خبايا الملف) تركت مرارة في حلقي. فهذه السيدة ليست صحافية، حتى تنشر خبرا صحيحا أو كاذبا؛ والكذب خارج المجال المهني، فيما أعلم ليس جريمة قانونية إلا في نطاق شهادة الزور. ولا اتخيل ان دولة ذات قدر جليل تصرف جهدها لتعقب الكذابين من مواطنيها ومحاكمتهم، ما لم يكن كذبهم بغرض القيام بجريمة اكبر.
والأدعى الى الخجل، ان الكذبة المشؤومة التي اوردت صاحبتها المهالك هي إنكار وجود فيروس كورونا !!!!.
متى صار الايمان بوجود كورونا جزءا من عقيدتنا الرسمية؟ ما الذي نرجوه من سجن مرأة قالت على الملأ إنها لا تؤمن بكورونا؟ هل ننتظر منها ان تغير عقيدتها الكورونية؟ أم أن تتظاهر بذلك فتصبح منافقة كورونية؟ ؟؟؟؟ من لا يؤمن بشيء لا يمكنك إرغامه على تصديقه عن طريق الإكراه. هذا أسلوب يعود إلى القرون الوسطى.
لماذا علينا أن نصدق وجود كورونا؟ هل لأن الدولة قررت ذلك، أم لأن كورونا موجود بالفعل؟ ثم ما وجه الضرر الذي سيلحق بالمجتمع اذا كانت أمي نعيمة لا تعترف بكورونا؟ هل أمي نعيمة بلغت درجة خطورة دونالد ترامب الذي ظل يقول نفس الشيئ على الملأ؟ ألهذا الحد لا تثق الدولة في وعي شعبها، وتخاف عليه من الضلال حين سيسمع تأكيدات امي نعيمة حول عدم وجود هذا الفيروس اللعين؟ أم أنها لا تثق في فعالية آلتها الدعائية الضخمة، بقنواتها التلفزية وإذاعاتها وأجهزة سلطتها والجمعيات التي تساندها، وتخشى ان تغلبها قناة أمي نعيمة على اليوتيوب؟ يا لهشاشة دولة تخاف من اكاذيب امرأة ساذجة. ويا لقسوة هذه الدولة التي اهملت مصداقيتها لعدة عقود، مفضلة توجيه إعلامها في أيام الرخاء نحو منافسة رداءة قنوات أمي نعيمة وامثالها. من زرع الريح يحصد العاصفة.
يخيل إلي من خلال ما يجري، سواء على صعيد المجتمع (المشهد الأول) او على صعيد الدولة (المشهد الثاني)، اننا جميعا نحمل فكرة عن الشعب مؤداها ان هذا الشعب يسهل تضليله بالترهات، ولذلك ننصب انفسنا أوصياء على وعيه، ونستنجد بالمحاكم والعقوبات للضرب بقوة على يد كل من نشك في انه يضلل شعبنا.
فلينم هذا الشعب المغلوب على ذكائه قرير العين فلن يضل ابدا ما دامت هناك دولة تحرسه من الضلال ونخب تبذل قصارى جهدها لتوطيد طمأنينته الذهنية.