
بونيت يكتب: لا تمسوا فايسبوكنا! فهو خط أحمر….”حذار من السقوط في فخ العنوان!!”

النقاش الدائر الآن حول نص مشروع القانون المتعلق بوسائط التواصل، والحجج التي يحشدها المشاركون فيه، تدعونا إلى العودة إلى السؤال الجوهري: كيف نشارك سياسيا في القضايا التي تمس بحياتنا اليومية؟
هناك حجة تعود إلى الواجهة بعدة صيغ، تقول إن الحكومة تتوصل في النهاية إلى تمرير مشاريعها بمنطق الأقلية والأغلبية أثناء مسطرة التشريع. وبالتالي فلا ينبغي ان نستغرب جرأتها على اقتراح مشاريع قد تنطوي على مقتضيات مجنونة تضرب عرض الحائط بكل الضمانات الحقوقية والدستورية والديمقراطية،… وتجهز على المكتسبات الهشة التي توصلنا إليها في هذه المجالات.
ومنذ ما عرف بالربيع العربي، سنة 2011 ونحن نسمع عن فضائل وسائط التواصل الاجتماعي، وقدرتها الفذة على الحشد والتعبئة والإطاحة بالأنظمة والدول، ونقرأ التحاليل التي تبرهن على انتصابها بديلا للعمل السياسي التقليدي ووسائطه، من أحزاب وتنظيمات ميدانية. ما لم نقرأه في هذه التمجيدات هو أن وسائط التواصل الافتراضي، هي أيضا ادوات للتلاعب بالرأي العام، وتخريب العمل المنظم الذي ما زال وحده يبرهن عن فعاليته السياسية الملموسة.
لقد تم الترويج بشكل مغرض للفكرة القائلة إن هذه الوسائط، في صيغتها الخام، اي الافتراضية، وحدها كافية لتعويض الفعل السياسي المادي والميداني، وأنها قادرة على تغيير كل شيء. والحال أنها في كل التجارب التي مرت بنا منذ 2011 لم تبرهن سوى على قدرتها الفعلية على التخريب، دون البناء. فكل الدول التي تم تخريبها انطلاقا من الفيسبوك خلال ما سمي بالربيع العربي، ما زالت تعيش حالة اللادولة، أو حالة عدم الاستقرار، وتشكل مرتعا لتدخل قوى أجنبية متنافسة.
هشاشة وسائط التواصل من حيث قدرتها على الانضباط والقيادة المنظمة يجعلها أداة طيعة في يد كل ذي مشروع كيفما كانت طبيعة هذا المشروع بما فيها الدول والأنظمة التي نظن أننا نريد الإطاحة بها بل وفي أيدي المافيات واللوبيات وكارتيلات المصالح التي تلتقي مصالحها عند نقطة استنزاف الدول أو الاستحواذ عليها وهذا هو مربط السؤال
هل حقا وسائط التواصل كافية بذاتها لإحداث التغييرات التي تنشدها الشعوب دون حاجة إلى أي عمل سياسي منظم؟ هل هذه الوسائط لها عقل ووعي بمسارات الاختيارات التي تتبلور فيها؟ أم أنها مجرد سوق للخواض (كما نقول في لغتنا العامية)؟ هل هي وسائط محايدة، يتساوى الجميع في الاستفادة من منافعها؟ أم أن هذا مجرد وهم دأبت تلك المافيات والكارتيلات بالذات على تغذيته منذ عقد من الزمن، لكي تصل بنا الى الوضع الحالي؟
أصغر مرتاد للفيسبوك او التويتر (بمقياس السن طبعا) يعرف أن هناك صفحات مدعومة وهناك تقنيات لدعم محتويات دون أخرى. ينبغي أن نستنتج من ذلك أن الذي يدفع أكثر هو الذي يستحوذ أكثر. وهذا أمر لم يعد يحتاج إلى برهان.
ما أريد أن أخلص إليه، بعد هذه التأملات، هو التساؤل: ألم يحن الوقت للتخلي عن وهم أن الرأي العام الفايسبوكي هو رأي عام سياسي؟ لا يمكن الحديث عن رأي عام سياسي دون فعالية سياسية، أي دون قدرة فعلية على إحداث التغيير في الواقع السياسي، من خلال المؤسسات والآليات السياسية، القائمة أو البديلة التي ينبغي أن نقيمها. وفي كل الأحوال، لا بديل لنا عن هذا الفعل السياسي المنظم، إن نحن كنا بالفعل راغبين في التأثير على مجرى القرارات السياسية التي تتخذ في حقنا.
إذا بقينا متمسكين بالرهان على الفايسبوك او التويتر من أجل التغيير أو حتى التعبير عن عدم الرضى، فنحن متمسكون بالوهم. لأن ما نتوهم أنه رأي عام، ليس في الواقع سوى تموجات عابرة، يمحو بعضها بعضا. وفي الحالات الأكثر فعالية، تبقى في حاجة إلى فعل سياسي يستخلص نتائجها او يقطف ثمارها، كما حصل مع حركة القمصان الصفر الفرنسية، وغيرها من الحركات المشابهة.
ما هي الخلاصة؟
ما دمنا نصر على رفض العمل السياسي المنظم أو نعتبره غير ذي جدوى فنحن لا نعمل سوى على تأبيد الوضع القائم ونسهل مهمة الكارتيلات (تحالفات المصالح) واللوبيات التي تريد الاستحواذ على مفاصل الدولة بينما نحن قابعون خلف لوحات مفاتيح هواتفنا وحواسيبنا نلعن ونولول
المغزى من هذا كله؟ ها نحن عاكفون على استنكار مشروع قانون يهدد فسحتنا الفايسبوكية، ونحن شبه متيقنين في أعماقنا أن من يريدون تمرير ذلك القانون، سيتمكنون من ذلك لان البرلمان والحكومة بأيديهم. لكننا لا نسأل أنفسنا ولو من بعيد: من الذي ترك لهم هذه الفرصة؟ وما دورنا نحن في ذلك؟
وعودا على بدء: أنا متأكد أنه سيزيد تضليلنا بجعلنا نظن أن فايسبوكنا هو ركننا الركين، بل سيزداد إيهامنا بأنه هو سبيلنا الوحيد إلى الفعل السياسي، وأننا نخوض الآن معركة حقيقية للذود عن حريته، وأننا ننتصر فيها. لأن هذا الوضع مريح للجميع، ولا سيما للفاعلين السياسيين الفعليين وليس الافتراضيين، الذين يريدون الاستحواذ على الدولة، ما دمنا سنترك لهم الجمل بما حمل…