رأي/ كرونيكمجتمع

في جدية حماية الناس من القمع حين يعبرون عن أفكارهم أو حتى تفاهتهم..ودرس في حرية التعبير

عزالدين بونيت

لا شك أن المواطن رفيق بوبكر أزال الله كربته تلقى الدرس جيدا، وفهم أن هناك موضوعات في غاية الجدية لا يملك أن يتطرق إليها في الثرثرات العابرة كما يحلو له.

فقد جرب المعنى الملموس لمفهوم “عنف الخطاب”، ومن المؤكد أن ما قبل الفيديو بالنسبة له، لن يكون مماثلا لما بعده، لقد كان أواول من أدرك أن مضمون الفيديو تافه ولا قيمة له فسارع الى التنصل منه. وهذا يعني انه موضوع لم يكن ليستحق أن نفتح معركة من أجله ولا ضده، لهذا كنت أتوقع من بعض الأصدقاء الذين أنكروا علي في منشوري السابق إثارة موضوع حرية التعبير على خلفية الهجوم الذي شن عليه وعلى المدونة أمينة بوشكيوة، أن يدركوا بالبداهة أن نقاشي لم يكن من أجل الدفاع عن مضمون ما ورد في الفيديو، الذي لم يكن أصلا رأيا بل مجرد هلوسة.

الموضوع الذي ناقشته دار حول شيء آخر. موضوعي كان هو السلوك المتناقض لسكان الفيسبوك وعدم اقتناعهم الحقيقي بجدية فكرة حماية الناس من القمع بمختلف أشكاله حين يعبرون عن أفكارهم أو حتى تفاهاتهم. أظهرت التجربة في الحالتين اللتين اتخذتهما منطلقا لتحليلي، أننا لا نحرص على السلامة الرمزية والفعلية لبعضنا البعض، وأننا لا نتحمل سماع أو قراءة سوى الأفكار والتفاهات التي تناسبنا، ومستعدون للهجوم على كل من لا يعجبنا قوله بل والدعوة إلى قتله او سجنه.

يكفي أن نعتبر هذا القول يخدش في ما نراه جديرا باحترامنا أو جزءا من قناعتنا حتى نرمي بكل الشعارات عرض الحائط نحن نحتفظ بسجوننا ومقاصلنا كلها جاهزة بشكل دائم لنرمي لها بكل من يخالف ما نراه أو نؤمن به بغض النظر عن الضفة التي نكون فيها هذا معناه أننا متشنجون فكريا وخائفون ومتضعضعون أخلاقيا وعقديا في مناخ مثل هذا تتضاءل بيننا حظوظ نشأة حركة ديمقراطية حقيقية.

أريد أن أسأل كل واحد بذاته، هزته الغيرة على الإسلام ومقدساته أن يقول لنفسه أمام المرآة وبصدق: أي ضرر لحق بك في معتقدك أو في ذاتك من سماعك لتلك الهلوسات، التي تعتبرها مسا بالمقدسات؟ ما هي تجليات هذا الضرر؟ هل صرت تحتقر نفسك مثلا أاو عقيدتك؟ هل نقص إيمانك؟ هل تحتاج، من أجل إيمان عميق وقويم الى التنكيل بالآخرين الذين لا يحترمون رموزك الدينية؟ هل تخاف على يقينياتك إلى درجة عدم تحمل وجود أشخاص ضالين بجوارك؟

هل انتهت كل مشاغلنا في هذا البلد ولم يبق لنا سوى الانشغال بمعاقبة شخص طافح السكر سولت له نفسه اأن يستهزئ بالمسجد وبوظيفة الإمام وبالوضوء؟ هل المسجد والإمام والوضوء من المقدسات؟!!! بهذا المنطق أتوقع أن تصبح البلغة والهيضورة والتسبيح، وربما الجلابة والسلهام من المقدسات الدينية، في القريب العاجل!!!.

أما أنا، فلا أتقاسم ابدا هذا التصور العقيم للدين. مقدساتي ليست هي هذه الجزئيات التي ما فتئت تتسع لتزيدنا انغلاقا.. وإيماني لا يحتاج أبدا إلى هذا القدر من الانغلاق، كي اشعر بالطمأنينة. ولذلك أناضل من اجل ان لا تفرض علي في يوم ما تلك الخشاشات باعتبارها مقدسات، غير قابلة للخدش. ما أخافه إذا قبلت استصغار المقدسات الحقيقية ووسعت نطاق التقديس، ليشمل مزيدا من القشور أن أصير قريبا من الوثنية، من حيث أنني أعتقد أنني أدافع عن الإسلام.

سؤالي لكل غيور على المقدسات هو: هل الإسلام الذي تؤمن به يقوم على العقاب أم على التواب أولا؟ يقوم على التبشير أم على التنفير؟ يقوم على الحلم (بكسر الحاء) أم على الغضب؟. جوابك وحده هو الذي يحدد عمق إيمانك وصدق يقينك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى