رأي/ كرونيك

رسالة كوكاس للكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر ” تذكر .. للتاريخ ضمير ”

هذا المقال نشره الإعلامي عبدالعزيز كوكاس في 2015، نعيد نشره لاحتفاظه براهنيته.

« قبل أن نصل إلى السلطة، علينا أن نصل إلى الحكمة كي نستخدم السلطة بشكل جيد” .. رالف إيميرسون

أعرف أنه ليس بيننا مودة كبيرة، لكنني جد متأكد من أننا لا نحمل لبعضنا أية ضغائن أو أحقاد، لأن احتكاكنا مع بعضنا كان في لحظات تواصلنا الإنساني المشترك أو في سياق قيامك بمهامك السياسية وممارستي لمهامي الإعلامية، كل مما يمليه عليه واجبه الأخلاقي ودوره المهني، وهو ما يجعل رسالتي إليك خالصة من أية ضغينة، ونابعة من غيرة حقيقية على إرث جماعي مشترك أخذ يتبدد تدريجيا حتى قبل أن تأتي إلى قيادة حزب القوات الشعبية..

لقد ترددت كثيرا في اختيار الصيغة الملائمة لمخاطبتك، ورسوت على أن أراسلك بالصدق الذي يوجع لكنه لا يضر، لعل رسالتي يكون لها وقع على براءة الإنساني في السياسي فيك.

عزيزي إدريس:

أن تكون كاتبا أول للاتحاد الاشتراكي؛ أي زعيما للحزب الذي كان وشما على جسد الفعل السياسي بالمغرب، معناه أن تتقلد مسؤولية تاريخية ثقيلة لسجل حافل من العرق والدموع، من الأماني والآلام، من الفرح والخوف، والحب الأسطوري لفكرة نبيلة، من الانتصارات والإحباطات، من الصدق ومن الخيانات الملازمة أيضا لروح فكرة جوهرية في التاريخ…

أن تكون رئيسا لحزب سليل حركة التحرر الوطني، هو ببساطة أن تكون مؤتمنا على تاريخ طويل وأمجاد زاخرة تفرض عليك أن تكون أبا روحيا للجميع وأن تكون رائدا للاختلاف، حتى تصبح رئيسا فعليا للفريق الذي اختارتك أغلبيته لتكون سائدا عليها، وأن تكون إنسانا لاحما، لا بالمعنى البيولوجي للكائن اللاحم، بل أن تلحم أجزاء الحزب بالحب، الصبر، التضحية والتأسيس لقيم العقل ضد قيم الغريزة والدم..

أنت الآن زعيما لأي اتحاد؟ هل اتحاد عبد الله ابراهيم والمهدي بن بركة والفقيه البصري وعمر بن جلون، أمْ اتحاد محمد باهي ومحمد عابد الجابري وعبد الرحمان اليوسفي ومحمد اليازغي وآخر الأوراق المتساقطة أحمد الزايدي؟ أم أنت الآن كاتبا أول لما تبقى في الاتحاد الاشتراكي من قيم نبيلة وئدت بالتدريج وبشكل قسري، بعد أن ضاقت الأرض، على شساعتها، بكل من وهب حلمه للفكرة الاتحادية وبعد أن أضحى حزب القوات الشعبية أثرا بعد عين؟

قد يرى البعض أنك الآن كاتبا أول لآخر اتحاد، ما كان عدو ولا حبيب يحلم بأن يصير إلى ما أصبح عليه، وقد يتساءلون وهم حيارى وأنت تجلس على كرسيك الفخم في مقر الاتحاد الاشتراكي وتعد لك السكرتيرة قهوة الصباح وجرائد اليوم، هل تحس بالسواد الساكن بين أضلاعهم؟ وأنت تتمدد يمينا ويسارا فوق كرسيك المريح وتخطط لانتصاراتك القادمة، هل تشعر بحجم الدماء والدموع والعرق الذي صنع حزب الاتحاد الاشتراكي وجعله شامخا مثل منارة تضيء للسفن التائهة موانئ النجاة؟

وآخرون ممن مسهم الإقصاء والتهميش يتساءلون وهم يتصورونك تضع الخريطة التنظيمية للحزب فوق طاولتك مثل رقعة شطرنج، تفصل المؤتمرات والمكاتب المسؤولة في الفروع والجهات، في الأقاليم والقطاعات وتمهد الطريق لفتوحاتك وغزواتك القادمة… هل تعي جيدا تاريخ الاتحاد الذي صنع من جراح ودماء، من آمال وآلام، هل تفكر في من وهبوا زهرات عمرهم لصنع فكرة الاتحاد؟ وبحرقة يتساءلون هل تحس كزعيم بهؤلاء الاتحاديين البسطاء في المداشر والقرى النائية الذين لم يكن الاتحاد الاشتراكي بالنسبة لبعض أهلها، ممن نجو من خطاب السلطة وطغيان أحزابها الإدارية، سوى حلم جيل في التحرر والتنمية والتقدم، لذلك ظلوا يضعون خشب حياتهم مثل حطب تدفئة أمة بكاملها في قاطرة الاتحاد الاشتراكي؟

عزيزي إدريس:

وأنت تجلس على كرسي فخم في قلب العاصمة وسط رياضها الأنيق، هل تذكر شيخ العرب الأسطورة؟ محمد كرينة الأمازيغي النبيل الذي بكى الراحل بوعبيد غداة وفاته؟ هل تذكر بنونة، عبد اللطيف بن جلون، عمر بن جلون وغيرهم من الأبطال الذين تركوا أمجادهم الشخصية ووهبوا حياتهم بزهو ..الفرسان في محرقة الاتحاد الاشتراكي… أم إنهم كلهم قتلة ومجرمون استحقوا عن جدارة النهايات المأساوية التي انتهوا إليها؟

ربما وجودك بين الأتباع والحواريين ممن لهم مصالح مباشرة في تزيين الوضع لديك يعتبر مضللا، والكثير من الاتحاديين، ممن لهم كامل الحق الذي تفرضه المواطنة الحزبية في معرفة اتجاه ربان سفينتهم، لم يعودوا قادرين على ضبط بوصلة اتجاهك وأنت تقود حزب القوات الشعبية منذ ضربتك على الطاولة حول الوافد الجديد، إلى دعوتك إلى التنسيق مع حزب العدالة والتنمية، حتى وضعك خطا أحمر للتنسيق معه وموالاتك لحزب الوافد الجديد… برغم المكر الذي تفرضه السياسة، فإن الصدق أيضا بعض من توابلها.

بعد مسار طويل من الصراع بدأ مع فرض الاستقالة على عبد الرحمان اليوسفي وبعدها بالطريقة ذاتها تم تكرار السيناريو نفسه مع محمد اليازغي، ها أنت الآن زعيما سياسيا، قوتك في أن تكون كاتبا أول لكل الاتحاد الاشتراكي لا لجزء منه.. لم يعد الوقت يتسع لإعداد الخطط لفصل المعارضين و”تطهير” الحزب من ”المشوشين” على اختياراتك، هل تسمع صرخات الحزانى، أنين المكلومين، صيحات من عذبوا من أجل فكرة نبيلة اسمها الاتحاد، هل تحس بوجع من اختطفوا ومن عذبوا بوحشية ومن أقبروا إلى الأبد، فقط لأنهم آمنوا بالاتحاد الاشتراكي، حلما جميلا؟ لم يعد الزمن يسمح بتهيئ الأعداء من المخالفين لمجازر غير مشتهاة ودفع الخصوم والمعارضين نحو المجهول.. فما أقسى أن يتهم زعيم بتبديد كل كنوز حزبه التي صنعها أبطال بلا مجد بالدم والدمع والعرق، بالآلام المكتومة وآهات نساء فقدن أزواجا أو أبناء في المنعطف التاريخي الملتبس للمغرب المعاصر؟

عزيزي إدريس:

هل سبق أن قرأت آية الكرسي واستوعبت معنى قول العلي القدير وشديد العقاب: ”له ملك السماوات والأرض” وقول العظيم أيضا: ”وسعت رحمته كل شيء”؟ كن رحيما بمعارضيك.. امنحهم لحظة الزهو للتعبير عن أمانيهم الخاصة، عن أفكارهم محض شخصية، لا تعشق صورتك في الكرسي كي لا يكون لك مصير النرجس فتغرق في الضباب.

لم يكن بن بركة قاتلا، وبن جلون ابن تراب هذه الأرض ومن لبنها رضع، ومهما تثعلب الفقيه البصري فلأجل هذا البلد.. فلذلك رجاء اتق الله في الاتحاد وفي من حلموا بأن يكون لهذا البلد حزب نظيف.. هي لحظة تاريخية مواتية للتجميع ولجعل الاتحاد أرضا واسعة لما تبقى من الفكرة الاتحادية النبيلة، مد يديك بحب إلى الأصفياء والنزهاء وإلى كل من تم إقصاؤهم عبر مسار الاتحاد، فستجدهم مثل الأساور يحيطون بك متى خلصت النيات وصدق العمل على الأرض ما وقر في النفوس من نوايا طيبة، حتى ولو أصبحت السياسة بالمغرب هي وكر الأفاعي كما قال يوما الراحل محمد باهي عن جريدة الاتحاد الاشتراكي التي قتلته مسؤوليتها في منتصف التسعينيات.

حين تضع رأسك على الوسادة الحريرية، هل تفكر بغيرك وتضع في اعتبارك كل الذين توسدوا الحجر وتلحفوا التراب، كل الذين هادوا وما هادنوا، سفوا التراب من أجل أن يبقى الاتحاد متألقا، قويا… وما باعوا الرسالة ولا خانوا حتى في أشد لحظات الضعف الإنساني؟

لم تهمهم النياشين وهم يواجهون بصدور عارية أقوى ما فيها ذلك الإيمان القوي الصلب المعجزة الذي سكن قلوبهم.. كل أشكال العنف والتعذيب والاختطاف والموت… ويوم كان يأتيهم عبد الرحيم بوعبيد طالبا منهم أن يترشحوا، كانوا يتأففون ويتراجعون إلى الظل، كانوا يتسابقون نحو الموت مثل فراشات الضوء، ولكنهم في جني المغانم كانوا قلائل ومتعففين ..

لم يستطع المخزن في أقوى لحظات عظمته وجبروته، بما ملك من أجهزة سرية وعلنية على عهد أوفقير والدليمي والبصري، أن يئد الفكرة الاتحادية، ونجح أهل الاتحاد في ظرف قصير في أن يذبحوا الاتحاد الاشتراكي الذي كانت تذبح من أجله القرابين، فكن جديرا بأن تكون زعيما لكل الاتحاديين، كن لطيفا بمن وهبك كرسيا..

عزيزي إدريس:

تجل لنا لنراك أبا لكل الاتحاديين، فالاتحاد الاشتراكي فكرة، تاريخ، ألم ودمع، أنين موتى وصدى للعذاب وأحلام أجيال… حنانيك كن رؤوفا بما تبقى في الاتحاد من حلم قد يسعف لبعض من حياة نبيلة، فلا يزال هناك متسع من الأمل وارع كل هذا التاريخ، ولا تبعه، كما يوسف، بثمن بخس فلن ترث غير الهباء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى