رأي/ كرونيك

محمد حمزة يكتب: القاسم الانتخابي الجديد وسؤال الانتقال إلى الديمقراطية

تأتي الضجة التي همت مؤخرا النظم الانتخابية، ومن ضمنها القاسم الانتخابي، استعدادا لإنتخابات ثالثة في إطار دستور 2011 والمغرب لازال في حاجة لإصلاح بنائه السياسي للعبور إلى الديمقراطية كما هي متعارف عليها كونيا.

فبعد عشر سنوات على النضال السلمي والمواطن لحركة 20 فبراير، وما سارت عليه كنهضة تاريخية وسياسية مستجدة ومتجددة في بلادنا، أعادت للواجهة النضالية مطالب إسقاط الفساد و الإستبداد و الإنعتاق من التخلف والإستمرار في النضال الى حين بناء الديمقراطية الكاملة، لازال النظام السياسي المغربي يتردد في الإنتقال الى مغرب الديمقراطية والحداثة والمساواة والعدالة الإجتماعية.

لقد ركب حزب العدالة والتنمية على شعارات حركة عشرين فبراير، رغم مناهضته لها، وما أنتجته من تغييرات في البنية السياسية حيث تمكن من المشاركة في تدبير الشأن العام وقيادة حكومة ساهمت في عدة تراجعات سياسية واقتصادية واجتماعية وحقوقية… ولعبت دور التلميذ النجيب لصندوق النقد الدولي ولسياساته النيوليبرالية. مما عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وكذا أزمة الثقة في مؤسسات الدولة، استفحلت مع جائحة كورونا .

فبدل القطع مع الإختيارات السابقة لإعادة الثقة بين الدولة والمجتمع للحد من الفوارق الإجتماعية و المجالية والقطع مع المؤسسات المجازية بسن إصلاحات دستورية وسياسية ومحاربة الفساد، تطرح تعديلات في القوانين الانتخابية في الوقت الميت لتغيير شروط “اللعبة” السياسية، تعديلات لم تكن قط في برامج الأحزاب السياسية الحكومية أو المعارضة للحكومة. فالقاسم الانتخابي كما هو متعارف عليه عالميا هو مرآة لإختيارات الناخبين.

إلا أن القاسم الإنتخابي الحالي على قاعدة المسجلين هو اختراع مغربي؛ ليست له مبررات ديمقراطية و تغيب عنه العدالة الانتخابية، بل وانزلاق نحو معايير ظرفية تفسر حسب مصالح ومنافع كل حزب. لكن حزب العدالة والتنمية وهو يناهض القاسم الانتخابي على قاعدة المسجلين، فإنه لا يعارضه بمبررات ديمقراطية ومبدئية، بل بأهداف الحفاظ على المنافع والمواقع والمقاعد والحقائب وإن كانت تتعارض مع المبادئ الديمقراطية و ما قبوله بقوانين 2016 ، الغير العادلة والغير منصفة، لخير دليل على هذا القول.

إن الإنزال الذي قام به الحزب في البرلمان، والشبيه بإنزال ” لن نسلمكم اخانا”، هو دفاع عن المواقع الادارية والحكومية في حكومة لا تحكم وليس دفاعا عن انتخابات ديمقراطية شكلا ومضمونا. حزب العدالة والتنمية ادلج الانتقال الديمقراطي حيث استفاد من جمالية الشكل و تخلص من عبء الجوهر وانتصر الى اللاعقلانية السياسية. هذا الإنزال لم نراه عندما كانت حكومة بنكيران وحكومة العثماني تمرر القرارات اللاشعبية واللاديمقراطية (الاجهاز على مجانية التعليم وعلى القطاعات الاجتماعية وخوصصتها وتعميم الهشاشة في التشغيل بسن التوظيف بالعقدة وحذف صندوق المقاصة والتراجعات الاجتماعية في اصلاح نظام التقاعد و التطبيع مع الكيان الصهيوني …).

إن ما حدث في مجلس النواب يكرس ممارسة سياسية لم تعد تهتم إلا بالمصالح الذاتية الانية وبالمأرب الحزبوية الضيقة والخاسر الأول هو المبادئ الديمقراطية ومصالح الوطن والمواطنات والمواطنين والمشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي العادل والمتضامن .

وبالتالي، فالقاسم الإنتخابي الحالي هو وسيلة للتحكم في الخريطة السياسية ووسيلة لإنقاذ أحزاب فقدت مصداقيتها، وتحضير لريع انتخابي وهدية لحزب العدالة والتنمية الذي يعتمد خطاب المظلومية ليتهرب من المحاسبة عن وضع مأزوم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وحقوقيا.

إن الخاسر الأكبر من هذه السلوكيات المشينة، ونحن مقبلين على الانتخابات، هو الثقة، مما يرجح كفة المقاطعة ويكرس واقعا حزبيا بئيسا و يعزز اللاعقلانية السياسية التي ساهم حزب العدالة والتنمية في ترسيخها قبل أن يكون ضحية لها.

تعد الإنتخابات الحرة والنزيهة شكلا من أشكال الديمقراطية وشرطا ضروريا ولكن غير كاف لتحقيقها، مما يتطلب إصلاحات دستورية وسياسية تؤهل البلاد لبناء مؤسسات صراع الأفكار والبرامج ، يطبق فيها الحزب الفائز برنامجه ويخضع للمحاسبة الشعبية وهدا هو مالم يطبقه حزب العدالة والتنمية والأحزاب المتحالفة معه لمدة عشر سنوات وطبق برنامج الدولة القار.
إن إرجاع الثقة للعملية الانتخابية رهين باصلاحها و دمقرطتها وتخليقها واشراك الأحزاب المناضلة من أجل دمقرطة الدولة والمجتمع ، وتوفير مناخ سياسي جديد يضع المغرب على سكة الانتقال الديمقراطي الحقيقي و سن مصالحة وطنية تنطلق بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والصحفيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى