الرئسيةرأي/ كرونيك

حميد اجماهيري يكتب: عندما يطالب بنكيران بحلّ البرلمان المغربي

حميد اجماهري
بقلم الصحافي والكاتب حميد اجماهري

لم يجد زعيم الإسلاميين المغاربة والرئيس السابق للحكومة، عبد الإله بنكيران، حرجا في أن يضرب مثلاً بإسرائيلَ، لتعليل دعوته إلى انتخاباتٍ سابقة لأوانها.

وبالرغم من الموقف المعروف للإسلام السياسي الحزبي في المغرب من دولة إسرائيل، والتي وقع أمين عام حزب العدلة والتنمية  السابق، سعد الدين العثماني، معها اتفاقية استئناف العلاقة بمقتضى الاتفاق الثلاثي الذي جمع الرباط وواشنطن وتل أبيب، فإن الأمين العام الحالي للحزب، بنكيران، اعتبر المناسبة سانحة لإعلان دعوته إلى حل البرلمان وإعادة الانتخابات. وقد تساءل مستنكرا: “ماذا وقع بعد أن نظمت خمسة انتخابات في أربع سنوات فقط…؟”، وهو ردّ مضمرٌ على من يربط بين إعادة الانتخابات والاستقرار السياسي في البلاد.

رئيس الحكومة الأولى للإسلاميين في المغرب، التي جاءت عقب الربيع العربي في 2011، وتبعا للتعديلات الدستورية العميقة التي “دَسْتَرت” المنهجية الديمقراطية (تعيين رئيس الحكومة من الحزب الأول في صناديق الاقتراع)، كان قد تلقّى هزيمة ساحقة، وجد هو نفسه التعريف الذي يليق بها وبه، عندما قال، في افتتاح أشغال الدورة العادية للمجلس الوطني لحزبه يوم السبت 14 يناير الجاري، إنه تلقّى ضربة قاسيةً أنزلته من القمّة، حيث فاز في انتخابات 2016 بـ125 مقعدا، إلى السفح في انتخابات الثامن من سبتمبر/ أيلول 2021 التي وصفها بـ”المحطة المؤسفة”، وكان قد حصل على 13 مقعدا، ما جعله يحتل الرتبة الثامنة في لائحة الأحزاب الممثلة في البرلمان.

بنى بنكيران دعوته، التي وردت في تصريحات سابقة، على عدّة مقدمات، لعل أهمها الجدل الذي تعرفه البلاد بشأن امتحانات الأهلية لدخول المحاماة، والتي وضعت وزير العدل عبد اللطيف وهبي، وهو المحامي والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، الغريم السابق للإسلاميين، في قلب العاصفة، وأحدثت موجة عميقة كبيرة من التذمّر في الأوساط العامة. وقد اغتنمها عبد الإله بنكيران للحديث عن وجود أزمة ثقة، تنسحب على عموم الجهاز التنفيذي والطبقة السياسية، وهو ما يستوجب، في تقديره، العودة إلى الشعب من أجل امتحان الثقة.

بنكيران

دعوة بنكيران إلى انتخبات مبكّرة من دون مضمون إصلاحي عميق، اللهم البحث عن توازن ما في حقل سياسي شبه مغلق اليوم

الاعتبار الثاني، ويرد بين السطور، تشكيكه المقنَّع في انتخابات 2021، التي حملت حزب التجمّع الوطني للأحرار، لصاحبه الثري عزيز أخنوش، إلى رئاسة الحكومة.

وكان بنكيران، في بداية الأمر، ومباشرة بعد الاقتراع، قد اكتفى بالنقد الذاتي، وتمحيص الهفوات الذاتية في تفسير الهزيمة، ثم انتقل إلى استنكار الهزيمة بما يشبه العتاب، عندما تساءل في أحد “لايفاته”، التي جعل منها وسيلته المفضّلة في التواصل العام، عن السبب الذي “جعلهم”، بدون تحديد من هم هؤلاء المعنيين بخطابه، “يُمنون الحزب بهذه الهزيمة؟”.

ولعل دعوته الحالية هي المرحلة الأعلى في التشكيك في العملية، عبر الدعوة إلى صناديق الاقتراع، لتعديل نتائج ما سبقه من تصويت، باعتبار أنه كان عرضة “للخصوم والمتدخلين في الانتخابات”.

الملاحظة الثالثة أن رئيس الحكومة السابق لم يسلك المتّبع عادة في وضع الثقة بالحكومة موضع سؤال (أو حجب الثقة بالتحديد عن الحكومة).

ولعل الأدبيات السياسية المغربية ما زالت تحتفظ بلحظات رفيعة من الجدل السياسي، كان عنوانها الأبرز ملتمس الرقابة لإسقاط الحكومة، أو للقيام بوظيفة منبرية في البرلمان لرفع مطالب الإصلاح، كما حدث في تسعينيات القرن الماضي مع المرحوم الحسن الثاني، لمّا عاش المغرب انتخابات سابقة لأوانها، عندما ارتبط ذلك بإعداد شروط جديدة في الحقل السياسي المغربي، كانت من ثمراتها تعديلات دستورية في 1992 و1996، وميلاد التناوب التوافقي الذي قادته المعارضة الاشتراكية آنذاك.

والمرّة الثانية التي عاش فيها المغرب انتخابات سابقة لأوانها كانت مع موجة الربيع العربي الذي أسقط حكومة الأمين العام لأقدم حزب في المغرب (الاستقلال) آنذاك، عباس الفاسي، ورافقتها تعديلاتٌ دستوريةٌ عميقة. وهذه الشروط غير متوفرة في المرحلة الحالية، ما يجعل دعوة عبد الإله بنكيران من دون مضمون إصلاحي عميق، اللهم البحث عن توازن ما في حقل سياسي شبه مغلق اليوم.

ومع تطورات دستور 2011، والوضع الصعب الذي تعيشه المعارضة من انقسامات جوهرية في تحليل الوضع السياسي وآفاقه، إضافة إلى الوهن الذي أصاب الحزب الذي قاد الحكومة عقدا (العدالة والتنمية)، كل هذا يجعل ملتمس الرقابة في حكم المستحيل، سيما وأن الأغلبية الحالية، كما وصفها زعيم الاشتراكيين المغاربة، إدريس لشكر، في وضعية “تغوّل” كبير، ابتلع كل مؤسسات الفرز الديمقراطي، من أبسط وحدة ديمقراطية في القرى والمدن إلى الحكومة، مرورا بالبرلمان بغرفيته.

كل شيء يدفع باتجاه اعتبار الدعوة إلى إجراء انتخابات سابقة لأوانها ضربة سيف في الماء.

وفي هذا المشهد، حزب العدالة والتنمية، الذي يريده بنكيران قائد الغضب من الحكومة، في وضعٍ لا يسمح له بأية خطوة مؤسساتية في ما يبتغيه، علما أنه على قطيعةٍ مع الحكومة والمعارضة على حد سواء.

ومما يزيد من “دونكيشوتية” المشهد أن المغرب يعيش، في الوقت الحالي، ورشا كبيرا غير مسبوق، في قلبه التغطية الاجتماعية الشاملة لكل المغاربة، بميزانية سنوية تقدر بـ51 مليار درهم، ويتطلّع إلى الدخول في مرحلة متقدّمة من ريادته الإقليمية والقارّية عبر بوابة الأسمدة والانتقال الغذائي، والبيئة والطاقي، وذلك عبر استثمار 130 مليار درهم (13 مليار دولار)، وهي مجالات تتطلب، بالضرورة، إعطاء صورة عن المؤسسات تعكس صورة البلاد المستقرّة. وهذا ما يفسّر، إلى حد ما، استحضار بنكيران إسرائيل مثالا عن فكّ الارتباط بين استقرار الدولة وتعدّد الاستحقاقات الانتخابية.

البنكيران
في الواقع، كل شيء يدفع باتجاه اعتبار هذه الدعوة إلى إجراء انتخابات سابقة لأوانها ضربة سيف في الماء، علاوة على أنه هو نفسه كان قد سبق له أن رفض دعوة عامّة عبر هاشتاغ “أخنوش ارحل”، ودافع عن إعطاء مهلة معقولة لرئيس الحكومة قبل معاقبته.

ولكن لا يمكن الاعتقاد بأن بنكيران لا يعي ذلك، فهو، ربما يسعى إلى فتح “تفاوض” مع الدولة عبر هذه الدعوة، سيما وأنه “ترك” لها حرية تحديد “الوقت الذي تراه مناسبا” في إعادة الاقتراعات.

كما يسعى إلى استثمار الوضع الحالي من السخط الشعبي على حادثة المحاماة المذكورة أعلاه. وربما “تطبيع” وجوده في الحقل السياسي الذي لا يجد له موضعا، لا وسط المعارضة القائمة، ولا في أغلبية محتملة قد تخرج من الانتخابات التي يدعو إليها.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى