في أقل من أسبوعين على انطلاق حركة 20 فبراير خاطب الملك محمد السادس الشعب المغربي، وأعلن عن العناوين الكبرى التي ستدخل تعديلات على الدستور، وعين لجنة برئاسة عبداللطيف المنوني، وبعضوية العديد من الفعاليات المنتمية لمجال الفكر الثقافة والفكر وعلم الاجتماع..، ومنهم محمد الطوزي، في تفاعل الصحافي محمد حفيظ، وضمن افتتاحيات واكبت “الربيع المغربي” وواكبت مختلف ردود أفعال، سواء السلطة، أو الأحزاب، أو النخب الثقافية,,، ومواكبة لتصريحات أعضاء اللجنة التي أوكل لها وضع إطار مؤسساتي دستوري يترجم العناوين الكبرى والإشارات الكبرى لخطاب 9 مارس 2011، علق محمد حفيظ كصحافي، على ما اعتبره خطأ جسيما ارتكبه محمد الطوزي، حين قدرر أن المغاربة ليس بعد جاهزين لملكية برلمانية، وإليكم التفاصيل في حديث الافتتاحية 12، و”الخطأ الجسيم..” التي تعيد نشرها”دابا بريس”، ضمن سلسلة من الحلقات في هذا الاتجاه…
الخطأ الجسيم….
أخطأ الأستاذ محمد الطوزي، في أول خرجة إعلامية له، بعد تعيينه من قبل الملك عضوا باللجنة المكلفة بتعديل الدستور. ففي الوقت الذي كانت اللجنة تباشر «الاستماع» إلى الأحزاب بخصوص مقترحاتها وتصوراتها لتعديل الدستور، أدلى عضوها بحوار لمجلة «La revue»، أفاد فيه بأن الطبقة السياسية المغربية لا تتوفر على الشروط التي تجعلها مؤهلة للملكية البرلمانية. وحدد هذه الشروط في «النضج» و«المصداقية» و«ثقة المواطنين». وراح عضو اللجنة، التي لم تكمل بعد عملها بالاستماع إلى كل الأحزاب وباقي مكونات المجتمع المغربي، من نقابات وهيئات مدنية وحركات شبابية… (راح) يحدد طبيعة الملكية التي تصلح، اليوم، للشعب المغربي. فاستبق نتائج الاستماع، وكشف – قبل الأوان – أن المغاربة لا يستحقون أكثر من «الملكية الدستورية». أما «الملكية البرلمانية»، فعليهم أن ينتظروا المزيد من الزمن والمحطات والأحداث وأن يخوضوا المزيد من الاحتجاجات والمعارك والنضالات… إلى أن «تتأهل» طبقتهم السياسية، التي لم تبرهن بعد عن «نضجها»، ولا تتحلى بـ«المصداقية» ولا تحظى بـ«ثقة المواطنين».
الطوزي ارتكب خطأ. وما كان له، هو الأستاذ العارف، أن يخطئ مثل هذا الخطأ. وهو خطأ جسيم، بالنظر إلى الصفة «المؤقتة» التي يحظى بها بفضل تعيين ملكي، وليس بانتخاب من الشعب. ولا أريد أن أتحدث، هنا، عن مضمون ما صدر عنه، والذي قد يكون صحيحا، وإن كان (الطوزي)، بغض النظر عن صحة ما قاله في حواره أو عدم صحته، لم يخرج عن «أحكام القيمة» وعن «التعميمات» التي لا تليق بأن تصدر عن الباحث الأكاديمي والمشتغل في حقل البحث العلمي، ناهيك عما ورد به من تناقضات. إن ما يهم في هذه النازلة، بالنسبة إلي، هي الصفة التي يتمتع بها الطوزي. فهذه الصفة تلزمه بواجب التحفظ، كما يقول الأستاذ عبد العزيز النويضي، في استجواب مع «الحياة» (ننشره في هذا العدد بالصفحتين 6 و7). فمادام الطوزي يحمل صفة عضو باللجنة المكلفة بمراجعة الدستور، فإن واجب التحفظ لا يسمح له بالخوض علنيا في المواضيع التي تخوض فيها اللجنة، والوصول حتى إلى رسم ما يستحقه المغاربة من دستور أو ملكية، قبل أن تكمل اللجنة مختلف أشواط عملها وفصوله.
عندما قبل الأستاذ الطوزي أن يكون عضوا باللجنة، كان عليه أن يعلم أنه سيحرم نفسه، طيلة مراحل اشتغالها وإلى غاية إكمال مهمتها، من الإدلاء بمواقفه الشخصية وآرائه العلمية، فما بالك بانتصابه لـ«محاكمة» الأحزاب وإصدار الأحكام حول مدى نضجها ومصداقيتها، وتوزيع النقط عليها، لنكتشف، فقط ونحن نريد أن نجري تعديلا لهذا الدستور الذي طال انتظاره (أي التعديل)، أنها غير مؤهلة لاجتياز امتحان «الملكية البرلمانية»، وعليها أن تنتظر إلى أن يحين موعد آخر لامتحان استدراكي، لنعرف هل ستعز أم ستهان مرة أخرى.
لو كان الأستاذ الطوزي يريد أن يبقى يتمتع بالحق الكامل في التعبير عن وجهة نظره في النقاش الذي يجري اليوم في المغرب حول تعديل الدستور، ويعرض خلاصات دراساته في العلوم السياسية والقانون الدستوري، ما كان عليه إلا أن يعتذر للملك عن العضوية في تلك اللجنة، فينعم حينئذ بكل الحرية التي ينعم بها اليوم باقي زملائه في العلوم السياسية وغيرها من العلوم الأخرى.
لقد وضع الطوزي نفسه، وبالتبعية اللجنة المكلفة بتعديل الدستور، في موقع الخصم للأحزاب السياسية، التي تمثل أول الأطراف المعنية بتعديل الدستور. وأخص بالذكر، هنا، الأحزاب التي تطالب بالملكية البرلمانية. أما الأحزاب الأخرى، فستجد في موقف الأستاذ الطوزي سندا لها. إن الأحزاب التي تطالب بالملكية البرلمانية ستجد نفسها، منذ الآن، أمام لجنة لها موقف مسبق من اقتراحاتها ومطالبها، بل وتناصبها العداء، مما يزعزع الثقة التي يُفْتَرَض أن تجمع الطرفين (اللجنة والأحزاب). وهو ما يطرح الجدوى من الاستمرار في تعامل الأحزاب المعنية مع اللجنة، إذا لم تُقْدِم هذه الأخيرة على اتخاذ ما يلزم اتخاذه في مثل هذه المواقف.
أتمنى من الأستاذ الطوزي أن يصحح الخطأ الذي صدر عنه، وأن يتسم بروح العلماء في تعاملهم مع الخطأ في العلم. وهو خير العارفين بأن العلم هو تاريخ الأخطاء. ولا أظن أن تصحيح مثل هذا الخطأ يمكن أن يتحقق، في السياق الذي اقترف فيه، إذا لم يبادر الأستاذ الطوزي إلى الانسحاب من اللجنة بتقديم استقالته منها، حتى لا يشوش ما صدر عنه على ما تبقى من عملها.
أقول هذا الكلام للأستاذ الطوزي، وأنا أقدر قيمته العلمية وقيمة منتوجه العلمي الذي جعله يحظى بموقع محترم بين زملائه الباحثين في المغرب وخارج المغرب. ولو لم أكن أقدره هذا التقدير، كباحث، لما كنت انشغلت بما صدر عنه.
7 أبريل 2011