كومينة:الحاصل اليوم أننا نعاين تدهورا غير مسبوق للحريات و يستمر اعتقال الصحافيين بتهم لا يستسيغها عقل سليم
يعود اليوم العالمي لحرية الصحافة كل 3 ماي من كل سنة، مند أن أقرته الأمم المتحدة سنة 1993 استجابة ليونسكو، ليضعنا أمام أسئلة حقيقية يسعى البعض، بكل الوسائل، إلى تغييبها أو تمييعها كي تبقى دار لقمان على حالها، وينتصر الكذب على الحقيقة، ويتغلب القمع المباشر والمستتر على الحرية، و تزحف التفاهة و الرداءة لتجرف الجدية والكفاءة والنزاهة، و يستقوي الفساد والانحدار الأخلاقي على ماتبقى من قدرة على حماية المهنية و أخلاق المهنة والضمير.
نتوفر اليوم على دستور وقوانين مفروض، لو أنتجت مختلف آثارها، أن تجعل الأداء المهني والتعددية و الحريات في أزهى مراحلها، خصوصا في ظل توفر أموال لم تكن متوفرة من قبل (مع استثناء فترة الجائحة)، لكن الحاصل اليوم أننا نعاين تدهورا غير مسبوق للحريات، إذ يستمر اعتقال الصحافيين بتهم لا يستسيغها عقل سليم، و تصر جهات في الدولة على السيطرة على مختلف وسائل الإعلام وجعلها خادمة لها تردد الخطابات التي ترضيها وتخدم أجندتها المتعارضة كليا مع منطوق وروح الدستور والقوانين ومصلحة البلاد، التي لا تتحقق الا بصيانة مكسب التعددية وحرية الراي والتعبير والتنظيم والاجتماع والتظاهر.
حيث يسجل أننا نسير نحو إنتاج نموذج عفى عليه الزمن و صار مرفوضا كونيا في زمن حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها كونيا نموذج يقوم على فرض الرأي الوحيد والتعددية الإعلامية الزائفة كقاعدة والاستثناء لاحكم له
نحن نعيش، مع الأسف، وبلا مبالغة، فترة أسوأ من سنوات الرصاص فيما يخص حرية الصحافة والتعددية الصحفية، ومن حسن الحظ أن ذاكرتنا لم تمح بعد، وكان الضحية الأول لها هو وسائل الإعلام المغربية التي فقدت مصداقيتها لدى المواطنين، الذين بات متاحا لهم أن يختاروا بتحرر من الرقابات بفضل التكنولوجيات الجديدة، دون استبعاد الاختيارات السيئة وحتى الخطيرة,
وكان الضحية الأكبر هو الصحافي الذي لم يعد يشتغل إلا في الدائرة الضيقة المفروضة بالقوة والخوف من فقدان مصدر الرزق، وهذا بغض النظر عن الوضعيات التي يجد فيها نفسه في وضعية قنانة حقيقية في ضيعات يمارس فيها بعض المحسوبين على الأجهزة المسيطرة ميولهم الإقطاعية، أو في جرائد إلكترونية يتولاها محترفو “التشلهيب” و “التبزنيس”، بما لهذه الكلمة الأخيرة من دلالات سوقية.
لقد جعلنا هذا الوضع نخطئ الانتقال الذي يمر منه الإعلام عالميا نتيجة ثورة تكنولوجيا الاتصال والإعلام، و نخطئ الموعد مع الحريات والإمكانيات التي تتيحها هذه الثورة، وجعلنا أيضا بلا تنظيمات مهنية ذات تمثيلية حقيقية وبلا تمثيل للمهنة يحميها فعليا من التحكم فيها ممن تطاولوا عليها كثيرا واستصغروها كثيرا و أهانوها مرات ومرات، ولعل مشروعهم شوه تيفي من الإهانات التي لن تنسى، و جعلوا الأفق غامضا.
وغير خاف أنه لا يمكن الحديث عن ديمقراطية، أو عن حقوق الإنسان، أو عن دولة القانون والمؤسسات، وغير ذلك مما يتردد كثيرا في الخطابات ويتكرر، إذا تم إفراغ الحقل الإعلامي و تمت محاصرة حرية الصحافة والصحافيين، إذ سيكون هذا الحديث، والحال على ماهو عليه، حديثا زائفا.