من الصعب اختزال الخطابي في مشروع واحد فوق قطعة أرض واحدة..
حين أنهيت قراءة مذكرات موراي موحند نعبد الكريم الخطابي بجزيرة لارييونيون، وهذه القراءة تزامنت مع رجوعي لكتابات جرمان عياش وزكية داوود ومادرياغا ومحمد أمزيان، اكتشفت أن الرجل بعيد عن الصورة التي يحاول أن يلصقها به سواء اليسار أو الحركة الأمازيغية أو القوميون العرب أو دعاة الجمهورية الريفية أو الحركة الوطنية…
لم يكن الرجل ينطلق سوى من فكرة التحرر من الاستعمار.. يحصره البعض في الريف ، فتتمرد سيرة الرجل التحررية ورسائلة، لتبين أن خلافه ذات حرب كان مع الأسرة الحاكمة لا مع الوطن،، تحصره الحركة الوطنية في الأفق المغربي، لكننا نجده يشدد على أفق وحدة شمال إفريقيا، ولا يرى استقلالا للمغرب دون استقلال باقي الشمال الإفريقي وخصوصا الجزائر، لكن هذا الشمال الإفريقي عند الخطابي لا علاقة له بشمال إفريقيا كما تصورته الحركة الأمازيغية من بعده، فهو يندغم عنده بالمشترك العربي والإسلامي (حسب تصوره)، وما تكاد تظن أنك أدركت استراتيجية الخطابي، حتى يفاجئك مجندا الشباب لتحرير فلسطين، وبخطاب لا يختلف كثيرا عن خطاب القوميين العرب،، لكنه سرعان ما يتجاوزه نحو التبشير بحلم توحيد كل الأقطار الإسلامية لتأسيس كيان مضاد للإمبريالية.. وفي حديثه عن حركات التحرر العالمي وخصوصا النزعة العالمثالثية نجده متخلصا من كل التقييدات الدينية والإثنية والقومية… يصعب حصر الخطابي في مشروع واحد فوق قطعة أرض واحدة.. كان الأفق التحرري بوصلته، وعلى ضوئه يبني تكتيكاته ومواقفه وتحالفاته وخطابه.. فلا تقزموا الرجل.. استثمر الرجل “اغنان” الريفيين ورفضهم للوصاية في التحلل من “ربقة” البيعة للعلويين حين خانوا امانة المحافظة على سيادة الأمة على ارضها،، واستثمر حرب التحرير الجزائرية في إعادة طرح علامات الاستفهام على ما أسماها احتقلالات في شمال إفريقيا، فكان ذلك مدخله لمحاولة إعادة رسم استراتيجية جيش التحرير نحو أفق يتجاوز الكيان المغربي، كما نظر لفلسطين كبؤرة ثورية من خلالها يمكن رسم معادلات جديدة لمواجهة الإمبريالية انطلاقا من رقعة جغرافية لها أهميتها في الصراع الدولي حول الهيمنة والثروات… لن أكون مبالغا إذا قلت إن حركات التحرر العالمية من الاستعمار هي من فهمت الخطابي أكثر منا.. كان هو المؤسس الفعلي لها، ليأتي بعده منظروها….
الخطابي باختصار هو قائد حركة تحرر من الاستعمار.. وعلى هذا الأساس يجب أن تفهم خطوة جمهورية اتحاد قبائل الريف، وعلاقته بجيش التحرير المغربي، وبالقوميين العرب في مرحلة بدايات الثورة الفلسطينية، وبكافة حركات التحرر العالمية سواء ذات النزعة الوطنية أو اليسارية منها….. وفي اعتقادي أننا بالحاجة “للخطابية الجديدة/نيو خطابية” التي تعني الصراع ضد الاستعمار الجديد، وبالتالي موضعة أي حركة أو معركة في هذا الأفق التحرري من الهيمنات الاقتصادية والمالية والثقافية والتوحش النيوليبيرالي ومستتبعاته من نهب الثروات والتطرف والتبعية….