رأي/ كرونيك

ثغرات تقرير بوعياش اللاحقوقي بخصوص “حراك الريف” 2/1

أصدر المجلس الوطني لحقوق الانسان تقريره حول التظاهرات التي عرفها إقليم الحسيمة، والمعروفة إعلاميا ب”حراك الريف”، وهو تقرير طال انتظاره كما جاء على لسان مُعديه، وباعتبار أن المجلس مؤسسة دستورية، باعتباره نتاج تعاقد سياسي لدستور 2011، وأنها تتلقى ميزانية من دافعي الضرائب بالمغرب، كما أن رأيها له أثر على عدد من الحقوق، وخاصة الحق في الحرية للقابعين في السجون، فإن مناقش هذه الوثيقة يُصبح التزاما معنويا على كل مُدافع عن حقوق الانسان.

وبناء عليه يمكن تقديم مستويين من الملاحظات، العامة والتي تناقش التقرير بكليته والخاصة التي تناقش بعض مضمون التقرير.

أولا: المستوى العام

  • دمج موضوعات مختلفة في تقرير واحد:

أنتجت منظومة حقوق الانسان على منهجيات ومقاربات في التعاطي مع الانتهاكات، فالتعاطي مع التحقيق في مسألة ادعاءات التعذيب لها قواعدها وأدواتها، وأهمها الانطلاق من بروتكول إسطنبول دليل التقصي والتوثيق الفعالين للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وهو مرجع أساسي للطب الشرعي وأيضا للمدافعين عن حقوق الانسان الرسميين أو المدنين، كما أنه يعطي حقوق كثيرة للمدعين. وللإشارة، فالمجلس الوطني لحقوق الانسان طالب من خلال تقريره موضوع المقال، الدولة المغربية بالمصادقة عليه (توصية 21 الصفحة 71)، وهي فضيحة تنم عن جهل معدي التقرير بالقانون الدولي لحقوق الانسان، لكون بروتوكول اسطنبول لا يخضع لا للتوقيع ولا للمصادقة، بل هو دليل معتمد من قبل الأمم المتحدة وتبنّته المفوضية السامية لحقوق الانسان منذ 2004 كوثيقة مرجعية.

كما أن المنتظم الدولي وضع معايير دقيقة في ملاحظات المحاكمات، ونذكر منها المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتعليق العام رقم 32 لسنة 2007 المتعلق بـ”الحق في المساواة أمام المحاكم والهيئات القضائية وفي محاكمة عادلة أولاً، والتعليق العام رقم 13 لسنة 1984 حول إقامة العدل.

أيضا هناك نظام قائم متعلق برصد التظاهرات والاحتجاجات، حيث نجد من الأبجديات الحقوقية “دليل التدريب على حقوق الانسان، الصادر عن المفوضية السامية لحقوق الانسان، ونخص بالذكر الجزء 15 حول “رصد المظاهرات والاجتماعات العامة”.

وبالتالي خلط الموضوعات كلها في قالب منهجي واحد يعتبر غير سليم، بل إننا نلمس في التقرير أنه يمزج بين كونه تقريرا وأحيانا أخرى يكون عبارة عن دراسة، وهو الجزء الملاحظ في المحور المعنون ب “تحليل للمنشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول احتجاجات الحسيمة” يمكن أن يكون عبارة عن دراسة مستقلة وتواجدها في التقرير هو “زيادة متعسفة”.

كذلك الحديث عن تقرير تركيبي أمر غير مقبول في ظل تناول موضوعات مختلفة عن بعضها ومستقلة بذاتها.

  • القطيعة مع انتاجات سابقة

أكد معدو التقرير أنه “تمت صياغته ما بين نونبر2019 ومارس 2020″، وهنا يطرح سؤال حول مصير مجهود عمل المجلس في صيغته السابقة، حيث سبق لرئيس المجلس السابق وأمينه العام أن صرحا مرارا أنهم يتابعون الوضع في الحسيمة وأنه سيتم إصدار تقرير شامل، فهل عمل سنوات مسح بجرة قلم؟ مع العلم أنه بالإطلاع على التقرير الحالي لا نجد فيه أي إحالة على التجربة السابقة، مما يستشف منه نوع من “الخصومة الشخصية” لمعدي التقرير مع الحقبة السابقة.

يضاف إلى ذلك أن التقرير لم يستند نهائيا، إذا استثنينا تركيزه على محاضر الشرطة،إلى مجهود الحركة الحقوقية المغربية التي قامت بالتقصي والزيارات الميدانية، كالائتلاف المغربي لهيئات حقوق الانسان والمبادرة المدنية للريف.

  • شرود القانون الدولي العرفي

حاولت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الانسان، الدفاع عن أطروحتها بخصوص معتلقي الريف بالمحاججة بكونها تسنتد على القانون الدولي العرفي، وبالعودة إلى التقرير الحالي، فإنه خالي تماما من أي إحالة على هذا الجزء من القانون الدولي، فرغم أن العرف الدولي غني في بعض مجالات القانون الدولي كمثال القانون الدولي للبحار، فإنه يكاد يكون منعدما في مجال القانون الدولي لحقوق الانسان.

ففي التقرير نجد فقرة عابرة (الصفحة 26) دون تبيان أسباب نزولها أو في أي موضع ستوضع.

ثانيا: المستوى الخاص

نقصد بالمستوى الخاص، الموضوعات التي تمت معالجتها، والتي سنقف عند البعض منها فقط، وذلك لتبيان التناقضات الواردة في التقرير، وكأن معده وضع نفسهّ، مكرها، في وضعية من يريد تغطية الشمس بالغربال، يستند على المعايير كما هي ولكن يعطي نتيجة مغايرة تماما.

  • التعذيب

ورد في التقرير ما يلي: “اعتبرت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أنه من غير الضروري التمييز بين السلوك الذي يشكل تعذيبا والسلوك الذي يشكل معاملة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة؛ لأنهما يشكلان معا انتهاكًا لأحكام المادة السابعة”، وأضاف أنه “وصف المجلس الإدعاءات التي قد تتوفر فيها عناصر مكونة لفعل التعذيب أو الادعاءات التي يمكن تكييفها ضمن المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة عندما يتم استيفاء هذه المعايير جزئيًا فقط.”

والحالات التي رصدها هي ثلاث حالات تولد القناعة بتعرضهم للتعذيب وثلاثة تعرضهم للمعاملة القاسية أو اللاإنسانية، وعموما “أغلب الموقوفين والمعتقلين تعرضهم لأشكال مختلفة من السب والشتم والقذف والإهانات اللفظية، سواء أثناء الإيقاف أو في سيارات الشرطة أو أثناء الاعتقال الاحتياطي أو خلال إنجاز المحاضر أو لتوقيعها. واعتبارا لطبيعة هذه الادعاءات لم يتمكن المجلس من التأكد منها أو تفنيدها.”

إن السفسطة اللغوية الواردة في التقرير لتمييع التعذيب يُسائل الضمير الحي لما تبقى من المجلس الوطني لحقوق الانسان، فإذا لم يستطع التأكد أو تنفيذ المعاملة الحاطة والاإنسانية فهذا يعني أن هناك مشكل.

ويبقى أهم اعتراف سجله التقرير، والذي يضرب المحاكمة العادلة، هي تسجيله “أن حالات ادعاءات التعذيب لم تحظ بالتداول والمناقشة الكافيين بخصوصها خلال المحاكمات”، وأنه “لم يتم إشعار المتهمين ودفاعهم بنتائج البحث” حول ادعاءات التعذيب.

ونعود مرة أخرى للقرار رقم 477-2011 الصادر بتاريخ 14 يونيو 2014 الصادر عن لجنة مناهضة التعذيب، الذي يخص السيد علي أعراس، الذي حكم عليه ابتدائيا واستئنافيا، ولكن القضاء لم يتعاط بجدية مع ادعاءات تعرضه للتعذيب، حيث سجل المغرب بشكل رسمي لدى لجنة مناهضة التعذيب أنه:”أدانت محكمة الاستئناف بالرباط، الغرفة الجنائية الاستئنافية، صاحب البلاغ في حكمها الاستئنافي بالسجن 12 عاماً بتهمة انتهاك قانون مكافحة الإرهاب. ورأت المحكمة أن: “محكمة الدرجة الأولى فصلت بشكل سليم في جميع المطالب والدفوع؛ وتؤكد هذه المحكمة هذه الأحكام ما دامت تعتبرها ملبية لجميع المتطلبات القانونية، لا سيما فيما يتعلق بادعاء صاحب البلاغ تعرضه للتعذيب، على اعتبار أن فحصاً طبياً قد أجري من قِبل ثلاثة أطباء أكدوا جميعاً أن صاحب البلاغ لم يتعرض لأي تعذيب من أي نوع كان. وعليه، فقد اقتنعت هذه المحكمة بتأييد الحكم الصادر على مستوى الاستئناف كما ورد في قرار محكمة الاستئناف” وترى المحكمة أن “قرار المحكمة الجنائية الابتدائية كان مبرراً، ولذلك أيدته وأقرت التعليلات التي استند إليها”. وفي أكتوبر 2012، قدم صاحب البلاغ طعناً أمام محكمة النقض.

إلا أن لجنة مناهضة التعذيب كان ردها حاسما:

  • تحيط اللجنة علماً أيضاً برأي الطبيبين في التقرير الطبي عن الفحص الذي أجراه طبيب شرعي لصاحب البلاغ في يناير 2012، وهو الرأي الذي يؤكد أن هذا التقرير غير منسجم مع توجيهات بروتوكول اسطنبول.
  • قدم الطبيب ب.، وهو خبير مستقل في مسألة التعذيب، رأيه في التقرير الطبي وخلص إلى أنه كان من المفروض إجراء فحص طبي ونفسي شامل وفقاً للتوجيهات الواردة في دليل التقصي والتوثيق الفعالين بشأن التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (بروتوكول اسطنبول)، ويدخل في ذلك إجراء فحوص واختبارات من قِبل أطباء مستقلين متخصصين في تقييم حالة أشخاص يشتبه في تعرضهم للتعذيب.

  • ولا يتضمن التقرير أية تفاصيل عن الفحوص التي أجريت ولا يكاد يتضمن تفاصيل عن نتائج هذه الفحوص. ولم يسعَ الأطباء إلى الاطلاع على تقارير الأطباء الذين فحصوا صاحب البلاغ أثناء حبسه الاحتياطي ولا أثناء فترة سجنه. ولم يذكر التقرير إن جرى الفحص بحضور رجال شرطة أو موظفين في السجن، وهل كان صاحب البلاغ مقيد الأيدي أو مقيد الحركة. ويتألف جوهر التقرير من صفحة واحدة ونصف الصفحة، أما الادعاءات بالتعرض للتعذيب فاقتُصر على ذكرها في سطرين قصيرين. ولا يحتوي التقرير على رسم توضيحي ولا على صور، لم يشر التقرير قط إلى إمكانية إجراء فحص نفسي أو سيكولوجي، وهو ما يكشف أن الفحص الذي أجري لا يلبي المعايير الدولية لتقييم الادعاءات بالتعرض للتعذيب.
  • بناءً على ما تقدم، ترى اللجنة أن السلطات أخلت بواجب إجراء التحقيق، وفي ذلك إخلال بالالتزام الواقع على عاتق الدولة الطرف بموجب المادة 12 من الاتفاقية، وهو التأكد من قيام سلطاتها المختصة بإجراء تحقيق سريع ونزيه كلما وجدت أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن عملاً من أعمال التعذيب قد ارتكب. وحيث إن الدولة الطرف لم تف بالتزامها هذا، تكون قد أخلت أيضاً بالمسؤولية التي يتعين عليها تحملها بموجب المادة 13 من الاتفاقية بأن تكفل لصاحبة البلاغ الحق في تقديم شكوى، وهو ما يفترض أن تستجيب السلطات لهذه الشكوى على النحو المناسب بأن تفتح تحقيقاً فورياً ونزيهاً.
  • ويتبيّن من نص أحكام محكمة الاستئناف أن اعترافات صاحب البلاغ كان لها أثر حاسم في قرار الإدانة. وتحيط اللجنة علماً بادعاءات صاحب البلاغ بشأن التعذيب الذي يكون قد تعرض له أثناء الحبس الاحتياطي

  • الدولة الطرف، مثلما ذُكر من قبل، أخلّت بالتزامها بإجراء تحقيق سريع ونزيه في الادعاءات بوقوع تعذيب؛ وبأن محكمة الاستئناف لم تأخذ الادعاءات بالتعرض للتعذيب على محمل الجد عند إدانتها صاحب البلاغ على أساس اعترافاته، نافية أن تكون هذه الادعاءات قد قُدِّمت أثناء إجراءات الدعوى. وبناءً على هذه الحيثيات، ترى اللجنة أن الدولة الطرف أخلّت بالتزاماتها بموجب المادة 15 من الاتفاقية.

إن الإقرار بكون “ادعاءات التعذيب لم تحظ بالتداول والمناقشة الكافيين بخصوصها خلال المحاكمات”، يجعل المحاكمة باطلة وفق اتفاقية مناهضة التعذيب، لكون وجب وقف الدعوى الأصلية وعدم إكمالها إلى غاية البت في المستجد هو ادعاء التعذيب، واستمرار المسطرة القضائية دون البتفي الادعاءات، يعتبر المحاكمة غير عادلة ولو توفرت فيها العلنية والحضور والدفاع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى