رأي/ كرونيك
اقتصاديات الحزب..أو في الترابط الوثيق بين العمل السياسي الحزبي والحاجة للمال
اريد ان ألقي الضوء على الترابط الوثيق بين العمل السياسي الحزبي والحاجة الى المال.
هل تحتاج الأحزاب الى تمويل للتمكن من القيام بمهامها؟ هذا شيء مؤكد. ضعف الاداء الحزبي يتناسب مع ضعف موارد الحزب. تحتاج الأحزاب الى مقرات ومتفرغين يقومون بالمهام الادارية اليومية وبتسهيل التواصل بين اعضاء الحزب، وبين الحزب والمتعاملين معه.
من اين تأتي الأحزاب بمواردها؟
المصدر الأول لذلك، هو التمويل الذاتي القادم من اشتراكات الأعضاء. وقوة هذا المصدر تتوقف على عدد الأعضاء ومدى قدرتهم على المساهمة في التمويل. كلما كان عدد المنخرطين اوسع كلما زاد احتمال توسع قاعدة الممولين، دون ان يكون ذلك مؤكدا. وكلما كان اعضاء الحزب ذوي قدرة مالية اقوى او اضعف انعكس ذلك في قدرتهم على التمويل والاستمرار فيه او الانقطاع عنه.
المساهمة في تمويل الحزب، من حيث المبدأ تكون تطوعية. ولا يوجد اي قانون يلزم المنخرطين في الأحزاب بتمويلها، ويبقى هذا متوقفا فقط على انظمة الحزب ولوائحه ومدى الالتزام الأخلاقي والنضالي للأعضاء. ولذلك فإن التمويل الذاتي للحزب يتأثر بالخلافات السياسية والتنظيمية داخله. وتنعكس تلك الخلافات مباشرة في التزام الأعضاء بالاشتراكات التي يقررونها.
قد تكون لدى بعض الأحزاب عقارات او منقولات يمكن ان تدر عليه بعض الموارد، لكن هذا ليس حال كل الأحزاب. وأحيانا تكون تلك الممتلكات عبئا على الحزب او محدودة المردود.
في الديمقراطيات الناضجة وفي فلسفة السياسة ونظرية الدولة الحديثة تعتبر الاحزاب تعبيرات سياسية وإطارات لبلورة الارادة العامة والتعبير عنها، عن طريق مختلف انشطة الأحزاب السياسية والتنظيمية. ومن هذه الزاوية لا تعتبر الأحزاب ملكا لمنخرطيها ولا لقياداتها ولا للدولة التي تنشأ في كنفها، بل هي ملك للمجتمع او الجماعة السياسية. ولذلك سنت مقتضيات قانونية للتمويل العمومي للأحزاب، لأنها تقدم خدمة عمومية، تتداخل فيها ممارسة حق المشاركة في تقرير المصير وحق التعبير عن الاختلاف وعدم الموافقة، كيفما كان موضوع ذلك الاختلاف. وتنتهي الاحزاب في مشاوراتها الداخلية الى بلورة ارادة الجماعة الحزبية والتعبير عنها في المواقف السياسية من القضايا والاختيارات والأولويات.
المصدر الثاني إذن لتمويل الأحزاب هو التمويل العمومي. تخصص الديمقراطية لتمويل السياسة قدرا من الثروة العمومية.
وتمنع بالمقابل التمويل الخاص الا في حدود تبرعات مسقفة. ومرد ذلك هو ثلاثة مبادئ:
الأول، هو ضمان تكافؤ الفرص بين كل المواطنين في المشاركة السياسية عبر الحياة الحزبية، بغض النظر عن درجة غناهم او فقرهم؛
والثاني، هو حق المواطنين جميعا في استعمال جزء من الثروة المشتركة بينهم في ضمان مشاركتهم السياسية. لأن غياب التكافؤ ينتهي الى هيمنة الأغنياء على مصائر الجميع؛
والثالث هو منع الأغنياء من خوصصة الأحزاب التي هي ملك للجماعة كما أسلفنا، وإلا تحول الحزب الى ميليشيا.
والتمويل العمومي للحياة الحزبية معيار من معايير نضج الديمقراطية. وهو يستند في المبدأ على معايير موضوعية قابلة للقياس في أرقام، مثل عدد المرشحين وعدد المقاعد المحصلة حسب انواع الانتداب (البرلمان، الجهة، الجماعة) وعدد الأصوات المعبر عنها لفائدة الحزب.