في الواجهةمغاربية

دراسة: هل التوتر بين المغرب والجزائر سيفصل المنطقة المغاربية عن أوروبا؟

الخلافات السياسية تحول دون تعزيز الشراكة الاقتصادية المغاربية
ستنتهي في الآخر من أكتوبر الجاري اتفاقية خط الأنابيب المغاربي – الأوروبي بيدرو دوران فاريل، ويتابع محللون وباحثون بحرص ما ستؤول إليه التفاهمات حول تجديد العقود، وخاصة الجانب المتعلّق بالجزائر التي قد تدفعها خلافاتها الدبلوماسية مع المغرب إلى رفضها تجديد حقوق نقل الغاز عبر أراضيه، وهو ما ينذر بتعمّق الانفصال الاقتصادي بين بلدان المغرب العربي التي فشلت إلى حد الآن في العمل على تعزيز مصالحها الاقتصادية المشتركة.
فرانسيس غيلس
فرانسيس غيلس باحث مساعد في مركز برشلونة للشؤون الدولية

برشلونة – سيكون بقاء خط الأنابيب الذي يبلغ طوله 1600 كيلومتر فارغا مشهدا غير عادي، وخاصة لأنه يربط بين قارتين (أفريقيا وأوروبا) وأربع دول (الجزائر والمغرب وإسبانيا والبرتغال). لكن هذا الاحتمال قائم. وكان بناء جزء منه تحت الماء أسفل مضيق جبل طارق إنجازا تقنيا لشركة سايبم الإيطالية التي صممت في أوائل الثمانينات أول خط أنابيب للغاز تحت الماء في العالم يربط بين تونس وإيطاليا، وشيدته تحت مضيق صقلية.

ولم ينقطع تدفق الغاز في خط أنابيب إنريكو ماتي الذي ينقل الغاز الجزائري إلى إيطاليا منذ 1983. وتتشابه الأزمة في المغرب الكبير مع التوترات المتكررة بين روسيا وأوكرانيا التي دفعت روسيا إلى بناء خطي غاز نوردستريم 1 و2 لتجنب العبور عبر أوكرانيا. لكن في حالة الجزائر فإن خط أنابيب ميد غاز الذي يربط الجزائر بإسبانيا مباشرة عبر البحر المتوسط موجود بالفعل.

خط أنابي المغرب العربي أوربا
خط أنابي المغرب العربي أوربا

ويعمل خط أنابيب بيدرو دوران فاريل المعروف باسم خط أنابيب المغرب العربي – أوروبا (جي أم أي) منذ 1996. وقد يتوقف استخدامه في الحادي والثلاثين من أكتوبر. فمن المقرر أن تنتهي اتفاقية العبور التي مدتها 25 سنة بين المغرب وإسبانيا والبرتغال في ذلك التاريخ. ويتوقف تنفيذ عقود بيع الغاز الجزائري إلى إسبانيا والبرتغال على تجديد حقوق النقل. فهل سيسمح البلدان الأوروبيان بإلغاء عقدهما مع المغرب أم سيختاران شراء كميات محدودة من الغاز الجزائري؟

ومهما كان قرار إسبانيا والبرتغال، فإن الجزائر قد لا توافق على تزويدهما بالغاز عبر المغرب.

الاتحاد الأوروبي عزز سلطته “المعيارية” في شمال أفريقيا ولم يروّج لأي سياسة صناعية تفيد بلدان المغرب العربي

وتبلغ قدرة خط أنابيب بيدرو دوران فاريل 12 مليار متر مكعب، ولكن في 2019 كانت تمر عبر خط الأنابيب 7 مليارت متر مكعب فقط، منها 2.5 مليار متر مكعب تتجه إلى البرتغال. وستبلغ سعة ميد غاز 10.3 مليار متر مكعب بحلول نهاية العام، بزيادة تقارب الـ8 مليارات متر مكعب حاليا، والتي تم تخصيصها بالفعل للعقود مع العديد من المشترين الذين يزودون إسبانيا. وبالتالي لا يتبقى سوى 2.3 مليار متر مكعب لتزويد شبه جزيرة أيبيريا عبر ميد غاز. وتتراوح صادرات الغاز الجزائري إلى إسبانيا بين 20 و50 في المئة من احتياجات واردات البلاد.

وقد تحاول الجزائر تزويد عميلتها الأيبيرية من خلال توفير كميات إضافية من الغاز الطبيعي المسال من مصانع تسييل الغاز أو من خلال مقايضات خطوط الغاز الطبيعي المسال. لكن مثل هذه العقود مكلفة ومعقدة الإعداد. وسيتعين على المغرب العثور على الغاز لاستبدال 600 – 650 مليون متر مكعب من مشترياته من الجزائر والتي يستخدمها لتوليد الكهرباء.

وقد يكون المغرب قادرا على الحصول على الغاز من خلال التدفقات العكسية عبر الشرق الأوسط الكبير من إسبانيا، وهو وضع تعرفه أوكرانيا. وقد يكون سعر هذا الغاز مدعوما من أصدقاء المغرب في الشرق الأوسط.

محمد السادس عبد المجيد تبون
الملك محمد السادس والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون

ولم تنتج هذه الأزمة من فراغ؛ فهي مرتبطة بالخلافات السياسية بين البلدين، ونزوع الجزائر في عهد الرئيس عبدالمجيد تبون إلى التصعيد.ففي مذكرة تم تداولها بين مجموعة من الدول غير المنحازة في السادس عشر من يوليو كتبت السفارة المغربية لدى الأمم المتحدة أن “شعب منطقة القبائل الشجاع” في الجزائر يستحق التمتع الكامل “بحقه في تقرير مصيره”.

وجاء كلام السفارة المغربية كرد فعل على حملات جزائرية بشأن قضية الصحراء، التي هي بالنسبة إلى المغرب جزء من أراضيه، وأن على الجزائر أن تتوقف فلديها مشكلات أخرى عليها أن تهتم بها من بينها مطالبات منطقة القبائل بالانفصال، وهي قضية مستمرة منذ عقود.

غياب الثقة

الصحراء المغربية أحد الأسباب العديدة لعدم الثقة بين المغرب والجزائر

بينما أدار البلدان الأفريقيان ظهرهما لبعضهما البعض تبددت الآمال الكبيرة في التعاون الصناعي التي كانت قائمة في 1996 وضاعت معها فرصة إنشاء مغرب كيميائي كبير كان من شأنه أن يدمج المنطقة بشكل أوثق في التجارة العالمية. وستُفقد مئات الآلاف من الوظائف المحتملة في منطقة ترتفع فيها معدلات البطالة والفقر بين الشباب، حيث كان من الممكن أن يجلب خط الأنابيب قدرا أكبر من الثروة والاستقرار. وأصبحت حالة عدم اليقين بشأن المستقبل ترمز إلى الافتقار إلى القيادة التي شوّشت شمال أفريقيا لعقود.

الصحراء المغربية أحد الأسباب العديدة لعدم الثقة بين المغرب والجزائر
الصحراء المغربية أحد الأسباب العديدة لعدم الثقة بين المغرب والجزائر

ويمتدّ انعدام الثقة بين الجزائر والمغرب إلى ما يقرب من ستة عقود. ويدور التنافس حول لقب القوة الإقليمية الرائدة في قلب هذا الصدام المرير الذي حال دون تعاون اقتصادي أوسع بين دول شمال أفريقيا يمتد من تونس إلى موريتانيا. وأدى الإخفاق في فتح الحدود وتشجيع التجارة والاستثمار عبر المنطقة المغاربية إلى تقليص نقطتين مئويتين على الأقل من النمو، وشجع على هروب رأس المال وحرمان منطقة ترتفع فيها معدلات البطالة من استثمارات ضخمة. ولم يكن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قادرين (أو راغبين كما قد يجادل المنتقدون) على التقريب بين البلدين.

وتعتبر قضية الصحراء أحد الأسباب العديدة لعدم الثقة بين البلدين؛ وإن كان هذا الصراع قد أخذ بعدا آخر بعد نجاح المغرب في حشد الدعم لمقاربته كان آخرها الدعم الأميركي القوي، الذي تبنته إدارة دونالد ترامب وتعتمده حاليا إدارة جو بيادن، وهو وضع جعل الجزائريين يفقدون أعصابهم، ويتصرف بانفعال سواء في العلاقة بالمغرب أو بدول أخرى مثل فرنسا.

العملاق الجريح

شركة سوناطراك أصبحت أضعف مما كانت بكثير

شركة سوناطراك الجزائرية
شركة سوناطراك الجزائرية

في غضون ذلك نجت شركة سوناطراك الجزائرية من العديد من الفضائح ومحاكمات الفساد على مدار العشرين سنة الماضية، لكنها أصبحت أضعف مما كانت بكثير. وتعدّ نجاة الشركة التي كانت في أوج قوتها في الثمانينات والتسعينات شهادة على مهارات مهندسيها. ونمت عائدات الصادرات الجزائرية بنسبة 45 في المئة لتصل إلى 12.6 مليار دولار خلال الأشهر الخمسة الأولى من سنة 2021 مقارنة بالفترة المماثلة من سنة 2020. ومن المتوقع أن يرتفع الدخل الأجنبي في عام 2021 إلى 5.33 مليار دولار.

كما يتوقع أن يبلغ إجمالي النفقات الرأسمالية 40 مليار دولار بين 2020 و2021، منها 51 في المئة بالعملة الوطنية. ولا يمكن أن تخفي هذه الإحصائيات والمشاريع، على الرغم من أنها تبدو مغرية، حقيقة أن قطاع الهيدروكربونات -الذي يمثل 95 في المئة من عائدات التصدير، والذي لم يتغير منذ أكثر من أربعين سنة- لا يُدار بشكل جيد.

لكن للبلاد 25 ألف مليار متر مكعب من احتياطيات الغاز في أحواض ضخمة من الصخر الزيتي. وبهذه الكمية تعد ثالث أكبر دولة في العالم بعد الولايات المتحدة والصين، وقبل الأرجنتين. ولا تقترح السلطات الجزائرية أي حل لنقص الغاز الذي يلوح في الأفق.

وتبقى الخطوط العريضة لمشكلة الطاقة الجزائرية ظاهرة: يتم توفير الإنتاج الحالي للغاز (130 مليار متر مكعب، مقسمة إلى ثلاثة أجزاء متساوية: الاستهلاك والصادرات وإعادة الحقن) من خلال حقل حاسي رمل بشكل أساسي. وينتج الحقل حاليا ما يزيد قليلا عن 60 مليار متر مكعب سنويا من الغاز. وسيكون قادرا على الحفاظ على هذا المعدل حتى 2028، ثم سينخفض إنتاجه بسرعة ويصبح ضئيلا اعتبارا من 2040.

وتتمثل أكبر المشاكل في نظام الكهرباء الذي يستهلك حوالي 20 مليار متر مكعب سنويا من الغاز؛ حيث أن معدل كفاءة محطات الطاقة القديمة منخفض جدا (حوالي 36 في المئة) بينما تبقى خسائر الشبكة عالية (13.5 في المئة). ولا تشهد البلاد تنشيط محطات طاقة جديدة أكثر كفاءة، ولا يوجد لدى الشركة الوطنية للكهرباء والغاز (سونلغاز) -التي تحتكر إنتاج الكهرباء وبيعها- ولا لدى المستهلكين أي حافز للعمل على تحقيق الوفرة.

وتوفر سونلغاز الغاز بسعر منخفض قدره 0.30 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية، وهو على الأرجح السعر الأدنى في العالم. ولا يغطي هذا السعر حتى تكاليف إنتاج سوناطراك. وسُجّل متوسط سعر المستهلك للكهرباء عند 0.03 دولار للكيلووات ساعة فقط، باستثناء الضرائب. ويعدّ العمل على إمدادات الغاز والاستهلاك مطلوبا لإيجاد مخرج من الأزمة الراهنة.

وصرّحت سوناطراك أنها حققت 18 اكتشافا جديدا خلال العام أو العامين الماضيين مما أدى إلى تحديث أحجام احتياطيات النفط والغاز في الجزائر بمقدار اثنين ونصف. وتبدو مثل هذه الإحصاءات مبنية على التلاعب، كما يبدو الحديث الأخير عن خط الغاز النيجيري – الجزائري جذّابا لكنه بعيد المنال. لذلك يمكن القول إننا في عالم الحكايات الخرافية وليس المشاريع التي لديها أدنى فرصة للتحقق. وقد كانت عواقب الاضطرابات السياسية في السنوات الأخيرة في الجزائر لعبة لا نهاية لها من الكراسي الدوارة في القطاع الاقتصادي والتي تتحدث عن فوضى أوسع ونقص في التفكير الاستراتيجي. ولم يعد هناك فارض لضوابط الاقتصاد الجزائري.

غياب أوروبي

الاتحاد الاوربي

يشير خط أنابيب المغرب العربي – أوروبا الفارغ أيضا إلى أن الاتحاد الأوروبي غير قادر على التفكير بشكل استراتيجي في منطقة تعتبر مهمة لأمنه. وتبقى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي منقسمة. وفي المغرب العربي قوبلت الثورات التي انتشرت عبر الأراضي العربية في 2011، والدور الأكثر نشاطا الذي لعبته تركيا وبعض دول الشرق الأوسط والصين في البحر المتوسط، بفشل خيال أوروبا السياسي.

وفشلت أوروبا في الارتقاء إلى مستوى التحدي المتمثل في حدودها المضطربة وقوس الأزمة التي امتدت على مدار ربع قرن من دول البلطيق إلى المغرب. وسمح الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لروسيا ببناء أصولها العسكرية من خلال تراكم الأخطاء الاستراتيجية والتكتيكية في العراق وليبيا وسوريا. وانغمس الغرب في حروب الاختيار التي زعزعت استقرار منطقة مزقتها الصراعات المحلية والإقليمية طويلة الأمد.

ويكمن السبب الرئيسي في عدم تعامل الاتحاد الأوروبي مع شمال أفريقيا في أنه لم يقدم للمنطقة أبدا نوع التكامل الاقتصادي الذي قدمته ألمانيا لمناطقها النائية في أوروبا الشرقية؛ حيث خلقت برلين “ورشة عمل تمتد إلى الشرق” من خلال الاستثمار المكثف في المواقع الصناعية في الشرق والاستفادة الكاملة من مزاياها النسبية.

وفي أواخر التسعينات بدأ الاتحاد الأوروبي يصور نفسه على أنه قوة “معيارية”. وفي حين أنه يفتقر إلى سمات القوة العسكرية العظمى التقليدية، إلا أنه استطاع أن يظهر القيادة العالمية من خلال تعزيز معايير مثل الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان والتضامن الاجتماعي.

لكن هذه التطلعات السامية لم تشكل أبدا الأساس الحقيقي للسياسة الخارجية الألمانية أو الفرنسية. وكان القرار الألماني الذي يقضي بالمضي قدما في نورد ستريم 2 مستوحى من “التغيير من خلال التجارة”.

ولا تشترك دول شمال أفريقيا وأوروبا الشرقية في نفس السجل التاريخي أو الاقتصادي. إلا أنه كان ينبغي على دول شمال البحر المتوسط أن تحذو حذو ألمانيا في مواجهة نظيرتها المغاربية. ولكن لم تكن نية فرنسا (اللاعب الرئيسي في هذه اللعبة) أن تعرض على مستعمراتها السابقة شراكة في التنمية الصناعية. ويُبرز هذا فشل الخيال السياسي الفرنسي.

وعزّز الاتحاد الأوروبي سلطته “المعيارية” في شمال أفريقيا، ولكنه لم يروّج لأي سياسة صناعية كان من الممكن أن تفيد بلدان المغرب العربي ككل. وفشل التعاون الاقتصادي المعزز الذي قدمته الشراكة الأورومتوسطية (أو عملية برشلونة) عام 1995 في الوفاء بوعدها لأنه لم يذهب إلى أبعد من وضع الممارسات التجارية القائمة، ولاسيما تلك التي تتمتع بها فرنسا، في زي جديد.

كما فشل في معالجة الفرص التي يوفرها النفط والغاز والفوسفات والأسمدة وصناعة المواد الكيميائية الأوسع في وقت كان فيه المشهد الكيميائي الأوروبي يتلاشى ويشهد إعادة تشكيل جذرية. وفشل الاتحاد الأوروبي في تحديد الطلب المتزايد والمتسارع على الأسمدة الذي يتطلبه الارتفاع المستمر في استهلاك الغذاء العالمي.

ولم يدرس قادة الاتحاد الأوروبي أو شمال أفريقيا فرص “المغرب الكيميائي” للاستفادة من الهجرة السريعة للصناعات الكيميائية من شمال أوروبا إلى العالم النامي. وبنى الخليج صناعة كيميائية قوية على عكس الجزائر والمغرب. وتستمد الجزائر 95 في المئة من دخل صادراتها من النفط والغاز، دون تغيير عما كانت عليه قبل 40 عاما، وهو رمز لسياسة اقتصادية فاشلة.

وعلى النقيض من ذلك أنشأ المغرب شبكة من المشاريع المشتركة عبر أفريقيا والبرازيل من خلال احتكاره الذكي للفوسفات. وتمكن من الاستفادة من الأسمدة المشتقة من الفوسفات باستخدام تقنيات إدارة متقدمة.

هل سينفصل المغرب العربي عن أوروبا؟

الأزمة الديبلوماسية

سيؤدي إغلاق خط الأنابيب المغاربي – الأوروبي إلى تشجيع الانفصال الاقتصادي للبلدان الواقعة على ضفتي غرب البحر المتوسط. وتعمل كل من تركيا والصين على تطوير علاقاتهما التجارية والاستثمارية في المنطقة بينما يبني المغرب علاقات جديدة عبر غرب أفريقيا وفي جميع أنحاء العالم عبر شركة الفوسفات الحكومية.

وفي هذا الإطار، هل سيمكن للشركات الصينية التغلغل في المنطقة المغاربية في السنوات المقبلة؟ ليست مثل هذه النتيجة بعيدة المنال، لكن العبء سيكون على دول شمال أفريقيا، حتى أن أوروبا قد تُغرى بمنظور ثلاثي.

المصدر: صحيفة العرب اللندنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى