التوازن الروحي يتكفل بالرد على الأسئلة الدينية للمراهقين
المراهقة مرحلة عمرية حرجة تتميز بالقلق والمشاعر المضطربة، لذلك تختارها الجماعات المتطرفة مجالا لاستقطاب من هم في هذه السن، خصوصا وأن المناهج المدرسية المعتمدة لا تقدم أجوبة شافية لجملة الأسئلة التي يطرحها المراهق على نفسه وعلى محيطه، وهي أسئلة ذات طابع وجودي في مجملها، ولذلك ينصح المتخصصون الأهل بضرورة التحلي بالليونة وعدم التوجس من تلك الأسئلة بل التعامل معها بأريحية وإحالة المراهق إلى بعض المرجعيات الدينية ذات الصيغ والتفسيرات السلسة وغير المعقدة، وذلك لعبور هذه المرحلة دون صدمات من شأنها أن توقع صاحبها في براثن الفكر التكفيري.
يشكو لي الكثير من الأصدقاء والصديقات من صعوبة مناقشة أبنائهم المراهقين في المسائل الدينية التي عادة ما يطرحونها في تلك المرحلة العمرية، لا سيما وأن المواد الدينية في المدرسة ترسخ وعيا دينيا مضطربا ومشحونا بالانفعالات السلبية (الخوف، الغضب، الغيرة، الحزن، إلخ).
ولأني أب كذلك، ولأني واجهت موقفا مماثلا من طرف ابنتي المراهقة، يمكنني أن أقدم بعض النصائح العامة التي بوسع الآباء إتباعها بصرف النظر عن قناعاتهم الشخصية.
ترتبط الأسئلة الدينية للمراهق باضطرابات المرحلة العمرية التي يمر بها المراهق. لذلك ليس مستغربا أن تكون الفئة الأكثر عرضة للاستقطاب من طرف المتطرفين هي الفئة العمرية بين خمس عشرة، وخمس وعشرين سنة. أو هذا ما لاحظته في العديد من الدول.
لتفادي كل المخاطر والانزلاقات المحتملة، ثمة خطوات مستحسنة بالنظر إلى طبيعة مجتمعاتنا المتخلفة:
* من الأفضل المحافظة على فكرة الله مع إعادة صياغتها بهدوء على أساس غرائز المحبة بدل غرائز الخوف. بعض قصائد التصوف النظري قد تفي بالمطلوب. مؤسف أنها غالبا ما لا تندرج ضمن المقررات الدينية. وهو ما يجعل المادة الدينية مجرد تكريس للفراغ الروحي بدل أن يكون العكس.
* حين يرغب المراهق في الصلاة يجب تشجيعه، لأن هذا التشجيع هو الذي سيحفظ للآباء مشروعية توجيهه في مستوى العلاقات المسجدية التي قد تنفذ منها بعض الاختراقات الأيديولوجية. ومن المفيد سؤاله حول نوع الشعور الذي يشعر به عقب الصلاة. وذلك لكي يدرك بأن الأمر مرتبط بمشاعر وأحاسيس شخصية يُفترض أن تحقق له الاكتفاء الروحي بدل أن يفتش عن الاكتفاء عبر التسلط على الآخرين، أو الانتماء إلى جماعات ذات توجهات تسلطية.
* حين يرغب في قراءة المصحف فيجب تشجيعه، سواء رغب في قراءة تعبدية أو معرفية. وهو التشجيع الذي سيحفظ للآباء مشروعية تنسيب سائر الموروث الديني والفقهي، وبالأحرى تحييد خرافات شيوخ الكراهية والجهل بسلاسة أكبر. مع مرور الوقت قد يشرع المراهق في طرح الأسئلة حول بعض العبارات القرآنية التي قد تبدو له مستغربة.
المطلوب ليس شيئا آخر غير تشجيعه على التساؤل وعدم الخوف من الشك أيضا، مع استعمال عقله الخاص في كل التفاصيل. يمكن تذكيره على سبيل المثال بالمحاورة الجميلة التي يطلب فيها النبي إبراهيم من الله أن يريه كيف يحيي الموتى حتى يطمئن قلبه. والتي تعني في آخر التحليل أن أزمة اليقين ملازمة للاعتقاد. أو على الأقل فهذا هو الوضع المنسجم مع الشرط الإنساني. بذلك النحو يمكن للمراهق أن يفهم بأن الشك جائز حتى من وجهة نظر دينية.
* حين يبدي المراهق اندفاعا قويا نحو بعض مظاهر التدين فلا يجب التوجس، إذ يسهل احتواء الموقف، مثلا، هدية بسيطة عبارة عن مصحف وكتاب تراثي حول تشكل المصاحف ( القرطبي، السجستاني، إلخ ) من الأمور التي قد تكفي لأجل احتواء الموقف بسهولة وليونة. ومن المؤسف مرة أخرى أن هذه المعارف لا تندرج ضمن تدريس المواد الدينية. وهو ما يترك الباب مشرعا أمام “الجهل المقدس”.
* يحسن تدريب المراهق على مهارة التركيز على الجوانب الجمالية التي لا يزال الحقل الديني يتيحها لنا – رغم أنه أفقرها إلى حد كبير- من قبيل الخطوط، والزخرفة، والمعمار، وأنواع السجاد، ومقامات التجويد، إلخ. وذلك حتى لا ينتهي به التدين إلى فقدان الحس الجمالي بنحو كامل. علما بأن الفنون الجميلة هي أساس تهذيب النفوس، ووقايتها من العنف والاكتئاب. ومرة أخرى، من المؤسف أن يكون الحس الجمالي هو آخر ما تهتم به مناهج التعليم الديني في مجتمعاتنا، إن لم تكن تنبذه في الأساس.
* الأهم فوق كل ذلك، هو استثمار قلق المرحلة العمرية التي يمر منها المراهق لأجل تشجيعه على طرح الأسئلة في كل الاتجاهات، بلا خوف ولا توجس، ومن ثمة معاودة مساءلة الأجوبة بنحو دائم ومفتوح، بشيء من المتعة والشغف، وبدون أجوبة مطلقة قد لا تُذكّر المراهق سوى بالسلطة الأبوية التي يسعى إلى التمرد عليها. وهو تمرد طبيعي لأجل استكمال النمو الخاص. وهذا هو المعطى الأساسي الذي علينا ألا ننساه. في كل الأحوال يجب على الآباء أن يميزوا بين قناعاتهم الدينية الشخصية، والحاجيات “الروحية” للأبناء، لا سيما في مرحلة المراهقة. وكل هذا حتى لا يظل المراهق صيدا سهلا للجماعات المتطرفة، والخلايا الإرهابية، ولباعة الأوهام والدجالين.