رأي/ كرونيكفي الواجهة

دعونا نناقش عقوبة الإعدام في حد ذاتها بشكل مجرد بعيدا عن أي حالة إجرامية بعينها

إذا أردنا إصلاح حقل زراعي مثلا وتجويد منتوجه، هل نقطع الأعشاب الضارة أم نقتلعها من الجذور؟

صلاح الدين لعريني أستاد باحث في علم الاجتماع مختبر السوسيولوجيا والسيكولوجيا

من المواضيع الإيديولوجية الشائكة التي طفت مؤخرا على سطح النقاشات “العمومية”، بسبب الجريمة النكراء التي ذهب ضحيتها الطفل عدنان، موضوع عقوبة الإعدام باعتبارها حكما قضائيا يفضي إلى حرمان الجاني من الحق في الحياة، وهي عقوبة تسنها الدولة وينفذها حكم المحكمة بقرار من هيئات حكومية أو عسكرية.

أفرز هذا النقاش إلى حد الآن بشبكات التواصل الاجتماعي توجهين متعارضين؛ ظهر من خلالهما أن غالبية المتفاعلين طالبوا بالإعدام منتصرين في ذلك إلى منطق الثأر وقاعدة العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم، بينما الأقلية رأت أن الإعدام ليس حلا للقضاء على الجريمة منتصرة بذلك إلى المقاربة الحقوقية والمواثيق الدولية المناهضة لعقوبة الإعدام.

الملاحظ في هذه التفاعلات الافتراضية هو تضخم الشحنة الانفعالية المغذية لها والتي جعلت الكثير من المعلقين ينزاحون عن آداب النقاش ويسقطون في العنف اللفظي والسب والقذف للمغاربة المطالبين بإلغاء عقوبة الإعدام. وضع كهذا يتعارض كلية مع مبادئ وأخلاقيات النقاش العمومي بالفضاء العام الفيزيقي أو الافتراضي المشترك التي بدون الإيمان بها وتجسيدها أثناء مناقشاتنا العمومية لن نفلح في تشييد ما نطمح إليه على مستوى دولة الحق والقانون والمجتمع المدني. للأسف لا زلنا بعيدين عن هذا المستوى!

دعوني أوضح في البداية أنني أولا لست بصدد إبداء رأي الشخصي في جريمة الطفل عدنان، وإنما في عقوبة الإعدام في حد ذاتها بشكل مجرد بعيدا عن أي حالة إجرامية بعينها.

وأذكر هنا أنني أدين إلى أقصى الحدود الجريمة النكراء التي ذهب ضحيتها الطفل البريئ عدنان المشمول برحمة الله، وأنني تأثرت كثيرا بهذه الجريمة وانتابني حزن شديد منذ أن توصلت بالخبر وإلى حد الآن. ثانيا، إن الهيئة القضائية وحدها من تملك صلاحية تحديد من هو الجاني في هذا الملف الجنائي، وهي من تملك أيضا صلاحية تحديد العقوبة المناسبة سواء كانت اعداما أو سجنا مؤبدا.

وبالتالي، لست هنا في مرافعة أدافع فيها عن الجريمة أو عن المجرم قاتل الطفل عدنان. بل من وجهة نظر شخصية أريد لهذا المجرم عقابا أكثر من الإعدام (رغم أن عقوبة الإعدام في المغرب موقوفة للتنفيذ من مطلع تسعينات القرن الفائت) لأن الموت شنقا أو رميا بالرصاص سيجعله يموت مرة واحدة وسيخصله من عذاب ومن وصم سيلاحقه طالما ظل حيا في غياهب السجن، بينما عقوبة المؤبد والسجن الانفرادي والأعمال الشاقة ستجعله فردا موصوما يلاحقه العار ليموت كل يوم مرات عديدة.

لنعد إلى عقوبة الإعدام، معلوم أن هذه العقوبة في المجتمع المتحضر اليوم، تعد غير قانونية في العديد من الدول، في حين أنها في دول أخرى عقوبة جنائية قانونية فقط للجرائم الخطيرة للغاية. الحجة الرئيسية لمؤيدي عقوبة الإعدام هي أن الخوف من الموت من شأنه منع الأشرار اقتراف الجرائم الشنيعة. بينما واقع الحال يبين أن تجارب دولة مختلفة تكشف على أن الخوف من عقوبة الإعدام لا يقلل من معدل الجريمة، هذه حقيقة علمية.

من الواضح أن العديد من المجرمين يكونون على بينة من عقوبة الإعدام ومع ذلك لا يثنيهم التهديد بالموت من اقتراف الجرائم المفضية إلى الإعدام، فالتهديد بالموت لن يوقف الشخص الذي قرر الانتقام من مجرم لقتل أحد أفراد أسرته مثلا!

لهذا فالسؤال الأكثر صعوبة هو مدى تناسب العقوبة والجريمة؛ بحيث لو كان التهديد بالموت يطهر المجتمع من الجريمة لما ترددت الدول منذ القدم في مسألة تعميم عقوبة الإعدام لتشمل جميع الجرائم. إن الإعدام أهون على بعض المجرمين من أشكال التعذيب الأخرى (السجن المؤبد، الأعمال الشاقة، العزل الانفرادي، الإخصاء…). كما أن عقوبة الإعدام قد تستغل بشكل ماكر من طرف حماة الفساد بالأنظمة الاستبدادية لإخراس و تصفية المعارضين السياسين والصحفيين النزهاء والمناضلين الأحرار…إلخ. ومعلوم أيضا أن تطبيق القاعدة القانونية يشوبه هامش من الخطأ وسوء التقدير التي ينجم عنه أحيانا جور في حق الشخص المحكوم عليه بالاعدام وقد يتبن للهيئة المحكمة أنها كانت ظالمة، لكن بعد فوات الآوان. هنا يتحول القانون إلى أداة للحيف والظلم عوض أن يكون أداة لإحقاق العدل والحق.

جوهر الإشكال ليس دائما في المجرمين، كما بينت ذلك العديد من الأعمال السوسيولوجية لمدرسة التفاعل الرمزية حول الجريمة والانحراف، لأن المجتمع/الدولة يخلقان المجرمين والمنحرفين بسبب التفاوتات التي يكرسانها على مستوى القيم والمعايير والمواقع الاجتماعية.

لسنا هنا بصدد تطبيع الجريمة أو الدعوة إلى التسامح مع المجرمين، بل من الضروري القبض على كل مجرم وسجن كل من يخالف القانون ويضر عن قصد بحقوق الغير.

لكن دعونا نتساءل بكل تجرد وحيادية أيهما أنجع، هل إعدام المجرمين ومواجهة العواقب الناجمة عن الجرائم، أم التصدي إلى محددات الجريمة والأسباب المفضية إليها والتي تقع طبعا خارح ذاتية المجرم؟ وبما أن المجتمع لا يتكون فقط من الأفراد الأسوياء، بل أيضا من المعتوهين، والجهلة، والمرضى النفسيين والعقليين، والمجانين، والقتلة متسلسلين، والمتحرشين بالأطفال…الخ هل يمكن للخوف من عقوبة الإعدام أن يردع هؤلاء عن ارتكاب جرائمهم البشعة، خاصة وأن الكثير من هذه الفئات مريض بأمراض عصية غير قابلة للشفاء أحيانا؟ هل يجب على المجتمع/الدولة إذن قتل المرضى الميؤوس من شفائهم الذين يشكلون خطرا على الآخرين؟

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقال يتسم بالموضوعية النسبية فالحكم بالاعدام يكون في بعض الاحيان للثار والانتقام ةهذا لا يحقق العدالة ولا يجد من ظاهرة القتل لان لدولة لاتطبق على نفسها حكم الاعدام مادامت مؤسساتها التربوية والصحية والتعليمية والاعلامية والاقتصادية شريكة في عدم القيام بمسؤولياتها وواجباتها والتي تؤدي الى اهمال المرضى النفسانيين والجانحين يجوبون الشوارع في فضاء تنتشر فيه كل انواع المخدرات والاوبئة
    اذا كانت الدولة تخطئ احيانا وخاصة في اعدام السياسيين المعارضين والاسرة لا تراعي حقوق الاطفال والنساء احيانا اخرى
    فان تشخيص الشر في شخص الفاعل الاجرامي وحده فقط يعتبر تمويها وانحراف عن العدالة
    مقالكم جيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى