من ستيفي وندر إلى عمار الشريعي.. هل تحفز الإعاقة البصرية الإبداع الموسيقي
ربما تساءلت مثلما تساءل الكثيرون من عشاق الموسيقى بعد سماع أحد الألحان المميزة للموسيقار المصري «عمار الشريعي»، أو بعد أغنية كلاسيكية للمغني والعازف الأمريكي «راي تشارلز»؛ كيف تأتي تلك الإجادة والبراعة من أشخاص ذوي إعاقة بصرية وربما بدرجة أكثر تميزًا عن مبدعين مبصرين؟
ولطالما أثار هذا التساؤل اهتمام المتخصصين أيضًا من الباحثين والدارسين للإعاقة البصرية، وظل تفوق بعض الأمثلة من فاقدي البصر في مجالات متعددة مثل التأليف الأدبي والشعري وحتى الابتكارات اللغوية يثير تساؤلًا آخر أكثر عمقًا؛ هل لفقدان البصر علاقة بالموهبة وهل يعمل على شحذها لتصير أكثر حدة وأكثر تألقًا؟ وماذا عن شحذ الحواس الأخرى التي تصير أكثر حدة عند المكفوفين؟
أدمغتهم تختلف.. جذريًا
أظهر بحث أكاديمي مطول نشر في مجلة «ساينس دايركت» العلمية بعنوان «أثر الإعاقة البصرية على التنظيم الهيكلي والوظيفي للمخ البشري» أن فاقدي البصر منذ الطفولة تمر أمخاخهم بتغيرات جذرية شديدة ليتمكنوا من توسيع مدخلات حواسهم الأخرى لاحتواء أكبر قدر من البيانات يستطيعون جمعه، حيث يتمكن فاقد البصر في سن مبكرة من إعادة تهيئة أو توظيف القشرة البصرية Visual cortex في أمخاخهم من أجل استجابة أفضل للمحفزات السمعية، وكلما كان عمر فاقد البصر أصغر اشتدّت قوة القشرة السمعية في المخ لديهم بفضل لدونة «مرونة» الموصلات العصبية Neural plasticity.
وفي بحث آخر قام به فريق من جامعة «مالبورن» الأمريكية أظهر أن فاقدي البصر في سن صغيرة تطّور أمخاخهم ما يعرف بتمييز تردد الصوت الكامل Pitch discrimination والتمييز الدقيق بين درجات ترددات الصوت أكثر من المبصرين بشكل كبير حتى دون الحصول على تدريب موسيقي؛ وإن كان للتدريب الموسيقي أثر كبير في رفع تلك القدرات.
أذن واحدة تكفي!
في بحث مشابه بعنوان فقدان البصر والسمع المُحفَز: صورة عصبية، تظهر نتائج تشير إلى اختلاف التكوين العصبي لفاقدي البصر وزيادة حساسية موصّلاتهم العصبية حيث استطاع الشخص ذو الإعاقة البصرية أن يحدد موقع الصوت بدقة عالية باستخدام أذن واحدة فقط، بينما يمكن للإنسان المبصر تحديد مكان الصوت بدقة باستخدام كلتا أذنيه، حيث يطرح الاستنتاج في البحث أن فاقدي البصر تكون لديهم قوى «شبه خارقة» في تلك الحالة حيث يمكنهم توظيف مركز الإبصار المعطل في المخ لمعالجة المهام الصوتية لاستكشاف العالم بشكل أفضل.
عم لديهم قوى خارقة
في دراسة لفريق علمي ترأسه «آدم أوكيلفورد» أستاذ الموسيقى البريطاني بجامعة روهامبتون بعنوان «تركيز على الموسيقى» Focus on music، قام من خلالها بإجراء العديد من استطلاعات الرأي على أكثر من 40 طفلًا من فاقدي البصر وكذلك آبائهم وبعض مدرسي الموسيقى والمعالجين الموسيقيين؛ أظهرت النتائج بعدها أن للطفل فاقد البصر قدرة على تمييز «النوتة الموسيقية الكاملة» أو الكمال النغمي Pitch perfect – وهو قدرة التعرف إلى أي نوتة موسيقية وإصدارها دون مرجعية مسبقة – بحوالي 4 آلاف مرة أكثر من الشخص المبصر.
الصحافي المصري جمال النشار بتصرق