المقاول الذاتي ومحاولة عيش من أجل لقمة خبز
أرغمت لقمة العيش والبطالة وغلاء الأسعار وضعف القدرة الشرائية والمتطلبات الحياتية الجديدة ما يناهز 400 الف من المواطنات و المواطنين المغاربة للإشتغال مع الشركات المتعددة الجنسيات ومع عديد من الشركات والمؤسسات ” الوطنية جدا ” في إطار تعاقد معها ” كمقاولين ذاتيين”.
برزت “المقاولة الذاتية” مع بروز ” الاقتصاد الرقمي”، ولا تحمل من مزايا المقاولة إلا الإسم. فهي تقنية مستمدة من قانون رجعي طبقي سنه الاستبداد لخدمة الراسمال الجشع وتوفير يد عاملة رخيصة من أولاد وبنات الشعب من الطبقة الكادحة دون أية حقوق أو أية التزامات للمشغٌِل اتجاه المقاول/ة الذاتي/ة او اي دعم مادي للانطلاق.
لا يتعلق الأمر بالشركات المتعددة الجنسيات، أو بشركات أجنبية مثل Glovo أو Jumia أو Jumia Food أو ما شابهها، بل الامر تعداه إلى مقاولات كبرى ومتوسة وصغيرة وصغيرة جدا أو مؤسسات وضمنها المؤسسات التعليمية.
هذه التقنية الجهنمية بدعة خطيرة أنتجتها النيوليبرالية العالمية المتوحشة حيث يتعامل المشغٌِل مع المقاول الذاتي ك “أرقام” و عمال ” أشباح ” بإذلال وحكرة دون أية حقوق من جهة، وهي من جهة اخرى، تقنية للإلتواء على القانون وتفادي اداء واجباتها الضريبية وشبه معفية من أية التزامات اجتماعية من اي نوع كانت. فالمقاول الذاتي لايرتبط بالشركة المشغٌِلة سوى بشعرة معاوية، إذ تمنح له ” حق ” الدخول ل ” منصة رقمية ” للبحث عن خدمة يسديها للمشغٌِل مقابل دريهمات.
لتصبح مقاولات ذاتيا، عليك إعداد بطاقة مقاول ذاتي في 24 ساعة، وتشتري دراجة نارية من مالك الخاص بالنسبة للعاملين في خدمات توصيل الطلبات ( بضاعة او سلعة او حتى مجرد بيتزا)، وتوقع معك الشركة عقدا معدا سلفا باعتبارك ” مقاولا ” .
فالمقاول الذاتي ليس عاملا أو مستخدما بالشركة المتعاقد معها، إنه مواطن/ة لا حول له ولا قوة ، ليس له مقر قار للعمل، يشتغل من أي مكان وفق جدول زمني من اختياره ولا يستفيد من حقوق كاملة.. إنه مجرد رقم يقوم بالخدمة التي يختار شخصيا القيام بها ويتوصل حالا بأجرته ( لا تابع لا متبوع) ولا حاجة له للقيد في السجل التجاري. ويمكن القول إن عمل المقاول الذاتي عندنا يشبه عمل “الرحّالة” أو “الباعة المتجوّلين”.
قد يقول قائل إن ” العقد شريعة المتعاقدين” كما نص عليه الفصل 230 من قانون الالتزامات والعقود المغربي، لكن شرط الاعتماد على هذه القاعدة العامة هو تساوي الطرفين ، فهل هناك تساوي الطرفين؟ تساوي مواطن كادح مع شركة عملاقة.
موضوعيا ومنطقيا، إن شرط “التساوي والتكافؤ بين طرفي العقد “غير متوفر بتاتا، الشيء الذي يجعل من العقد الموقع بينهما مجحفا، تعسفيا وفاقدا لروح القانون.
إن نوع العقد المبرم بين الطرف الضعيف (المقاول الذاتي المكلف بتوصيل الطلبات على وجه الخصوص) والطرف القوي (الشركة المشغلة ) يشذ عن قاعدة ” العقد شريعة المتعاقدين، لأنه لا تسبقه مساومة أو نقاش في شروط العقد و إنما يضع المشغٌِل هذه الشروط و لا يكون أمام المقاول الذاتي إلا أن يذعن لها و يقبلها تحت ضغط الحاجة الملحة للعمل والعيش.
أضف إلى هذا ظروف العمل القاسية جدا للمقاول/ة الذاتية وخاصة العاملين بقطاع خدمات توصيل الطلبات الذين يتعرضون لحوادث السير القاتلة، فمن منا لم يشاهد مقاولا ذاتيا مقتولا بالطرقات المهترئة التي لا تتوفر على ممرات لاصحاب الدراجات النارية ولا إلى علامات تشوير أفقي وعمودي؟.
في الدول الديمقراطية حيث للمواطن قيمة لدى انظمتها السياسية، يتم إعداد بنيات تحتية طريقة مطابقة للمعايير الوطنية أو العالمية اللازمة لحماية أرواح المواطنين والحد من حوادث السير، أما عندنا حيث المواطن لا يحمل من المواطنة إلا الإسم فلا حول ولا قوة له سوى عرض حياته مرغما، للخطر من أجل الرغيف الأسود.
ورغم ظروف عملهم القاسية، فإن المديرية العامة للضرائب حددت 186231 دافع جديد للضرائب برسم سنة سنة 2021،
64 % منهم أشخاص ذاتيون 64٪ وذلك مقابل 36٪ فقط للأشخاص الاعتباريين (67469)، رغم ذلك، فإن حقوقهم الشغلية مسلوبة سلبا وتواطئ البنية المخزنية الممثلة في مفتشيات الشغل ثابت.
لقد تركت الدولة المغربية وحكوماتها المتعاقبة جيش المقاولين الذاتيين العاملين في قطاع توصيل الطلبات خاصة لقمة سائغة في فم الرأسال الجشع الذي لا يرحم، وتركتهم يواجهون مشاكلهم ومعاناتهم المتعددة لوحدهم، و لم تقدم لهم أي دعم يذكر لمساعدتهم لأجل الانطلاق من باب دعم جهود تأهيل القوى العاملة الوطنية وتوظيفها في القطاع الخاص ليلعبوا دورا في التنمية الشاملة. إن لامبالات الدولة المغربية هذه تعكس العقلية المخزنية التي لا تعترف بحقوق الإنسان ولا بحقوق المواطنة.
فمن يحمي هؤلاء ضحايا لقمة العيش من جبروت الراسمال، الخارجي والداخلي، الجشع؟ واي دور للمؤسسة البرلمانية وخاصة مجلس المستشارين؟
واية مسؤولية للأطراف المتدخلة في نظام المقاول الذاتي ( وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والكفاءات بريد المغرب، والمديرية العامة للضرائب، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والوكالة الوطنية للنهوض بالمقاولة الصغرى والمتوسطة وكذا الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات) وأي دور للهيئات النقابية والحقوقية؟