الشرقي لمومن السميحي (1975-2025) … بيان سينمائي من أجل جمالية بديلة
تصادف سنة 2025 خمسينية تحفة مومن السميحي وباكورة أفلامه التخييلية الطويلة، الشرقي أو الصمت العنيف. عمل سينمائي جميل، قوي بانحيازه لموقف ثابت ومؤسس نظريا باعتبار السينما وجهة نظر ثقافية في سوق تداول الصور العالمي.
يتطلب إنتاج صورة ذاتية المرور من خلال تفكيك الخطاطة السائدة ضمن منظومة صناعة الفرجة العالمية. إنتاج صور أصيلة بالمعنى الحرفي للكلمة: ابداع لقطا ت مضادة للصور المتداولة تجاريا في المشهد المحلي للمحيط، والتي هي صادرة عن مركز مهيمن أوروبي – امريكي، «إمبريالي” الممارسة. لا تكتفي باحتلال الشاشات…تحتل الخيال أيضا. ابداع صور محلية يعني الابتعاد عن النموذج العالمي الزائف الذي تقدمه هوليوود كنموذج أوحد ووحيد. تحرير الشاشة /تحرير الخيال.
“ربما يعود الأمر إلى صناع الأفلام أنفسهم من المجتمعات التي لم تعرف أصل وميلاد التصوير السينمائي لطرح التساؤلات حول هياكل وأنواع بناء الأفلام الموروثة عن السينما الكلاسيكية”، هذا ما كتب مومن السميحي. ويمكن اعتبار فيلم “شرقي” (1975) بمثابة البيان السينمائي لهذه الجمالية / الأفق. جمالية القطيعة عمادها:
– رفض السرد الخطي
– نظام متعدد الأصوات للشخصيات مع مضاعفة القصص الثانوية-
– توضيب جاف وسريع
– نسج منطق زمني على النقيض من السرد الكلاسيكي: تشابك الازمنة.
يعلن فيلم “الشرقي” عن برنامجه الطموح منذ البداية من خلال مشهد افتتاح متعدد الصور في تركيب بليغ والتي تشير إلى مدينة متعددة اللغات وعالمية في هندستها. وتُوضح العلامات المكونة للجنيريك بالتوازي مع صور المدينة هذا التعدد..
فعنوان الفيلم مثلا متوفر في الواقع بثلاث لغات على الأقل: العربية الفصحى، والعربية المغربية وترجمتها الفرنسية. هناك لوحة أخرى تسمح بمقاربة أخرى للعنوان من خلال تقديم نوع من الصوت المزدوج المجازي والثقافي المتبادل: “الصمت العنيف” يحجب أولاً أي إشارة داخلية إلى السرد، ويتم تحييد وظيفته الإعلامية لصالح وظيفة شعرية تعزز الإشارة إلى الإرث الفلسفي والأنثروبولوجي لجورج باطاي..
تعدد الأصوات الذي يتم تعزيزه بالموسيقى التصويرية مع صوت أغنية تشير إلى التعدد اللغوي في البلاد (تكناويت، الأمازيغية…).
الصور الأولى للفيلم، والتي تتوافق مع البرنامج المعلن في ثنايا تركيبها، تتعلق بالعرض/الوصف أكثر من السرد: تهدف الرؤية/ زاوية النظر في المقام الأول إلى أن تكون شاهدًا على فضاء يجب إعادة تملكه من خلال تحريره من نظرة الآخر، هذا الآخر الحاضر في كل مكان. في الهندسة المعمارية وأسماء المواقع والأمكنة. يبدو “شرقي” منذ تسلسل لقطات افتتاحه بمثابة تركيب سينمائي لمعمار “الغيرية” : المدينة الأوروبية مقابل المدينة القديمة؛ أسماء الشوارع؛ أعلام التواجد الدولي. العالم المغلق (تكرار مشاهد اللأسيجة والبوابات المغلقة) هو انغلاق تقوم الكاميرا بمضاعفته من خلال استخدام لقطة من زاوية منخفضة / من تحت..
ولكي نكتشف هذا العالم التعددي بشكل أفضل، يتناول الفيلم قصة امرأة تدعى عائشة (تشخيص رفيع/ رصين للممثلة المغربية – العالمية ليلى الشنا).
عائشة متزوجة من رجل يبحث عن زوجة ثانية. ستحاول عائشة، المرأة المنعزلة وراء حجابها وجلبابها، إحباط هذا المشروع باستخدام الوسائل التي توفرها لها التقاليد. سيسمح هذا الإطار السردي للقصة بتأسيس وجهة نطر ستوجه رؤيتنا إلى اكتشاف مدينة تحمل الاختلاف في شفرتها الجينية.
نظرة عائشة توجه نظرنا نحو الآخر. لكن الفيلم يرفض الكليشيهات، إنه بحث ينطلق من الداخل إلى الخارج: إنه يؤسس لتمثل للآخر من خلال مضاعفة صور الذات. يتحدث مومن السميحي عن “سرد مجازي”؛ إن الحديث عن عالم مصغر هو إشارة إلى ثقافة بأكملها، إلى جسد اجتماعي مبتور يواجه الطفرات التي تفلت منه. تلتقط كاميرا سميحي علامات / اشارات مبنية على شكل أساطير: تكرار مشهد فرن الخبز؛ مرور قطيع الماعز… والمشهد التأسيسي لصورة السلطان في القمر…”الشرقي” أو شذرات من الميثولوجيا المغربية.
يتم تقديم مصير عائشة المأساوي في مونتاج مواز مع صورة الطفل على مقاعد المدرسة وخاصة مع ظهور كيان اجتماعي جديد مع مشهد الطبقة العاملة. إن موت عائشة، الذي أفرزته الممارسات القديمة، يفتح الطريق لظهور ممارسات اجتماعية جديدة.
يبدأ الفيلم بفتح الباب على حلم الطفل. ويختتم بصور لبوابة تغلق. إن وصول القصة الى منتهاها يتوافق مع اختتام فصل ومرحلة. نهاية تشير إلى بداية أخرى يتم التعبير عنها من خلال تحرك الكاميرا إلى الخلف لكي نكتشف “النار، اللهب، المجنون” وهي الكلمات المكتوبة على السبورة والتي يرددها تلاميذ القسم باهتمام؛ كأنه اعلان عن برنامج جديد …قادم.